المولد والنشأة

هو عبد العزيز بن حمد بن سيف بن حمد العتيقي، المولود في بلدة "حرمة" بناحية سدير في مطلع القرن الثالث عشر الهجري، ولا يعلم بالتحديد عام ولادته أو وفاته، ولكن من خلال سيرته يرجح أن يكون مولده بين عامي 1190-1193هـ الموافق لعام 1779-1782م تقريباً وذلك في بلد حرمة من إقليم سدير النجدي.

ينتمي إلى عشيرة العتيقي التي تعود أصولها إلى أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) من قريش وكانت تعيش قديماً في  الحجاز. انتقلت الأسرة إلى نجد في  أواسط القرن الحادي عشر الهجري (السابع عشر الميلادي) وبعد ذلك رحل كثير منهم إلى الكويت ابتداء من سنة 1189هـ (1774م).

وقد أنضم المرحوم عبد العزيز وهو في سن الشباب بصحبة أخيه المرحوم سيف بن حمد إلى من سبقهم من أقاربهم في الكويت.

دراسته

بعد أن أتم حفظ القرآن الكريم في الكتاب درس على يد مشايخ المجمعة، كما درس على يد الشيخ محمد بن سلوم، والشيخ سيف بن محمد العتيقي في الزبير، ومن زملائه في الدراسة الشيخ عبد العزيز بن عثمان بن عبد الجبار والشيخ عثمان بن منصور، وكلاهما تولى القضاء في سدير بنجد، وقد احتفظ الشيخ عبد العزيز بعلاقات متميزة مع زملائه حتى بعد انتقاله إلى الكويت.

ويعد الشيخ عبد العزيز العتيقي أحد علماء المذهب الحنبلي الأجلاء، فقد برع في مذهب الإمام أحمد بن حنبل (رضي الله عنه)، وهو المذهب السائد في إقليم نجد آنذاك، كما أنه أحد شيوخ العلامة محمد بن عبد الله الفارس عالم الكويت المعروف، يرحمه الله. ولكنه غلب عليه لقب "الحاج" من كثرة ما يتردد على حج بيت الله الحرام.[1]

نشاطه التجاري

كان عبد العزيز بن حمد العتيقي من كبار تجار الكويت في وقته وعاصر حكام الكويت مثل الحاكم الثاني الشيخ عبدالله بن صباح ومن بعده جابر بن عبدالله بن صباح الشهير بجابر العيش. وكانت تلك الفترة فترة انتعاش تجاري وتوسع لنشاط تجار الكويت براً وبحراً. فكان للمترجم حظٌ وافر من ذلك وله مخازن ودكاكين معروفة في حي الوسط بالكويت. وقد وصلت تجارته إلى جنوب العراق ونجد وله معاملات معروفة مع محمد بن ثاقب شيخ الزبير في وقته ومن بعده أولاده. كما له معاملات مع تجار سوق الشيوخ في جنوب العراق وهي المدينة التي كانت عامرة بتجارة أهل نجد في ذلك الزمان. وفي منطقة سدير كان يتملك العقارات الزراعية المنتجة عن طريق وكلاء له هناك. 

أوجه الإحسان في حياته

المحسن عبد العزيز العتيقي له مآثر خير عديدة. أقدم ما عرف منها وقف مخزن على الفقراء والمحتاجين. ثم لما قل ريع المخزن بسبب نقص السكان بعد الطاعون الكبير الذي أصاب المنطقة أبدله ببيت من بيوته في محلة العتيقي عام 1249-1834م.[2] وهذا الإبدال يعتبر من أقدم حالات إبدال الوقت في الكويت.[3]

ثم لما أحس بقرب أجله قام بوقف ثلاثة دكاكين من محلاته في السوق الأوسط في الكويت على خمس أضاحي وفي وجوه البر والإحسان وذلك في 20 ربيع الأول عام 1271 الموافق 10 ديسمبر 1854م. جاء ذلك في وصيته التي جعل فيها النظارة لابن أخيه عدالله بن سيف العتيقي. واستمر هذا الوقف حتى توفي الناظر التالي محمد بن عبد الله بن سيف العتيقي وولده عبد الله فقام قاضي الكويت عبد الله العدساني بتعيين ناظر لها هو صالح بن عبد المحسن العتيقي.[4] ثم استولت دائرة الأوقاف على الوقف بعد إنشائها. تحولت الدكاكين إلى خمس بقسمة اثنين منهما.

 وكان العتيقي في حياته عطوفاً رحيماً حافظاً للود. فقد وزع بعض بيوته على ذيته في حياته حتى ينعموا برغد العيش ويستغنوا عن المسألة. وكان إذا أعسر أحد التجار من مدينيه لا يستقضي دينه من الورثة وإنما يتحمل دينه ودين الغرماء الآخرين. وقد حفظت الأوراق المتخلفة عنه شيئاً من ذلك. فحاز على احترام معاصريه سواء في الكويت أو فيما جاورها من بلدان حيث امتد نشاطه.

كما بادر المحسن عبد العزيز العتيقي – رحمه الله- إلى وقف الكتب النافعة للمسلمين ليتعلموا ويستفيدوا منها، وذلك لعلمه بأن جوهر الإحسان لعموم الناس هو تعليمهم وإرشاد ضالهم، والاعتراف بحقوقهم، وكف الأذى عنهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وذلك عملاً بقول الله تعالى:

"ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون".

(سورة آل عمران)

من ذلك وقفه "شرح دليل الطالب" من كتب الفقه الحنبلي الشهيرة في 20 رجب 1235 الموافق 2 مايو 1820م على طلبة العلم الحنابلة واستثنى المطالعة فيه مدة حياته. فقد كان شغوفاً بالمطالعة والتعلم. وفيما لي صورة الوقفية.

عمارة المساجد

لما كانت المساجد منارة العلم على مر العصور، ومركز إشعاع وهداية للمسلمين حرص المحسن عبد العزيز العتيقي على أن يؤسس بيتاً من بيوت الله تعالى التي قال فيها:

"في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار".

(سورة النور)

ولذا فقد بنى الشيخ عبد العزيز أول مسجد معروف لآل عتيقي في الكويت بالقرب من سوق الدعيج الحالي، وقد عرف باسم مسجد النبهان نسبة إلى مؤذنه ويرجح أن ذلك البناء كان سنة 1251هـ الموافق عام 1835م تقريباً.

ورد في وثيقة شرعية منقولة صورتها هنا أن مؤسسه عبد العزيز العتيقي وذلك بموجب وقفية شرعية بإمضاء الشيخ عبد الله بن خلف الدحيان، والمسجد متوسط الحجم ولكنه مزدحم دائما بالمصلين في جميع الأوقات وقد ذكر أيضاً ما كتب على جانب الحجية السابقة كما يلي:

"الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

ليعلم أن حضرة الرجل الفاضل الرشيد الحاج محمد بن محمد بن عبدالغفور قد أقر إقرارا شرعياً قائلاً: أني أوقفت وحبست وأبدت هذا الدكان المحدود في الوثيقة على مسجد الحاج عبدالعزيز العتيقي من مساجد الكويت المعروف الآن بمسجد بن نبهان المؤذن فيه سابقاً، وقفته على من يؤذن فيه ويقيم الصلوات الخمس- تقربا إلى الله تعالى وابتغاء مرضاته، كما أن الوقف من أفضل الطاعات وأجل القربات، إذ هو من الصدقات الجارية التي لا ينقطع ثوابها بموت أربابها- وقفاً صحيحاً شرعياً لكونه من مالك جائز التصرف على جهة وقرب عن طوع واختيار منه، وقع ذلك بتاريخ 14 محرم سنة تسع وأربعين بعد الثلاثمائة وألف من هجرة من كمل وصفه صلى الله عليه وسلم وشرف ذكره، ثبت ما ذكر لدي، فصح، وأنا الأقل".

عبد الله بن خلف

وكيل القضاء الشرعي في مدينة الكويت

ولهذا المسجد أيضاً وقف عبارة عن دكان من ثلث حفيدته المرحومه "موضي" أوقفه زوجها المرحوم محمد بن صالح العتيقي، وذلك بموجب وثيقة شرعية مؤرخة في 27 من ذي القعدة 1340هـ.[5]

عمله في التدريس والتعليم

كان الشيخ عبد العزيز العتيقي- رحمه الله- يتبنى الشباب النابغين من طلبة العلم فيفتح لهم مكتبته العامرة ويستضيفهم فيها، لينهلوا مما تحتويه من علوم كيفما شاءوا ومتى أرادوا، ومن أبرز هؤلاء الشيخ العلامة محمد بن عبد الله الفارس الذي بدأت علاقته مع الشيخ عبد العزيز العتيقي في الكويت سنة 1253هـ (1837م).

ويؤكد الشيخ عبد الله بن خلف الدحيان هذا الأمر في حديثه عن شيخه ابن فارس قائلاً:

"فما أن وصل الشيخ محمد إلى الكويت تمام عام 1253هـ حتى اتصل بالحاج الشيخ عبد العزيز العتيقي الذي يمتلك مكتبة في بيته جامعة لكثير من الكتب الفقهية والعلمية، وخاصة كتب المذهب الحنبلي، فاستفاد الشيخ محمد من هذه الكتب كثيراً عندما ضمه الحاج عبد العزيز إليه واخذ يطالعان سوياً فيما بينهما ويتدارسان القرآن في كثير من الأوقات وكان الحاج عبد العزيز العتيقي حافظاً لكتاب الله فقيهاً صالحاً محباً للقراءة عاشقاً للكتب".[6]

ومن أبرز الكتب التي أوقفها الشيخ عبد العزيز العتيقي وتأثر بها العلامة ابن فارس "تفسير البغوي" فكان لا يفارق مجلسه في درسه اليومي.

الوقف الخيري

أيقن الشيخ عبد العزيز أن الإحسان لا يقتصر على بذل المال فقط، وإنما هناك أوجه أخرى للاحسان لا تقل أهمية عن ذلك منها بذل العلم ووقف الكتب النافعة لتكون صدقة جارية مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم:

"إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له".

رواه مسلم

، لذلك أوقف الشيخ عبد العزيز كتباً جمة نافعة أصبحت مصدراً لطلاب العلم وهي كما يلي:

– كتاب "تفسير البغوي" الذي اقتناه سنة 1265هـ (1848م). في مكتبة الأوقاف بالكويت.

– كتاب "شرح دليل الطالب لنيل المطالب". وهو في مكتبة الأوقاف بالكويت.

– كتاب "تنبيه الغافلين" لأبي الليث السمرقندي والذي علق الشيخ عبدالله الخلف على إحدى وقفياته بقوله: "هذا من الكتب التي وقفها الحاج عبدالعزيز بن حمد العتيقي – رحمه الله تعالى – وتقبل عمله.. آمين". مكتبة الأوقاف في الكويت.

– كتاب جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي. وهو في مكتبة جامعة الموصل.

ويدل ذلك على أن وقف الكتب كان من عاداته الأصيلة، وقد ذكر الشيخ عبد الله الخلف أيضاً أنه كان جامعاً لكتب جمة، كما ذكرنا آنفاً.

الذرية الصالحة

كان من ثمار الخير التي تركها المرحوم عبد العزيز العتيقي تلك الذرية الصالحة التي حملت شمائله، وجسدت وجهاً مشرقاً من وجوه إحسانه، وسارت على دربه في فعل الخير والاهتمام بالعلم وتشجيع طلابه، فابنه حمد – وهو أيضا من أهل العلم – أوقف كتباً عدة على الشيخ عبد الله الخلف الدحيان، منها: "ديوان شعر للصرصري" وكتاب "غاية المرام في فضل الصلاة على سيد الأنام" لجلال الدين السيوطي، كما أن ابنته رقية أوقفت بيتها الكائن في محلة العتيقي بالكويت وتقوم الأمانة العامة للأوقاف بدولة الكويت بالنظارة على هذا الوقف.

ومن الجدير بالذكر أن معظم أوقاف أسرة العتيقي بالكويت هي لأشخاص مرتبطين مباشرة بالمحسن الكريم الشيخ عبد العزيز العتيقي، ومنها وقف بنته رقيه ووقف بنته هيا ووقف أخيه الحاج سيف ووقف عبد الله بن سيف، ووقف حفيدته منيرة أحمد محمد سالم العتيقي، وهي بنت بنته هيا.

هذا بعض ما تيسر من معلومات عن المترجم له المحسن عبد العزيز العتيقي وأوجه إحسانه.  وقد انقطعت ذريته من جهة الذكور بعد وفاة ابنه حمد يرحمه الله، أما من جهة الإناث فللشيخ عبد العزيز امتداد كريم، فهو جد أعلى للمرحوم سالم عبد الله العتيقي الذي هو والد السيد عبد الرحمن سالم العتيقي مستشار سمو أمير دولة الكويت الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح – رحمه الله، فهناك ذرية عريضة يتصل نسبها بالشيخ عبد العزيز بن حمد العتيقي. 

وفاته

عاش الشيخ عبد العزيز العتيقي ما يقرب من ثمانين سنة، قضاها في الدعوة إلى الله تعالى وتعليم الناس الخير، عملاً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير".

رواه الترمذي

ولا يعلم بالتحديد تاريخ وفاته، ولكن الذي يفهم من سيرته أن وفاته كانت قريبة من عام 1275هـ الموافق لعام 1860م حيث أن آخر معاملات سجلت له كانت قبيل ذلك.[7]   

رحمه الله رحمة واسعة، وجعل أعماله في ميزان حسناته.

وكتبه:

د. عماد بن محمد العتيقي

جمادى الأولى 1438- فبراير 2017م.


الهوامش:

[1] ينظر على سبيل المثال الوثيقة رقم (51) في موقع العتيقي.

[2] انظر: موقع العتيقي، الوثيقة رقم (27).

[3] المصدر السابق.

[4] وثيقة شرعية بإمضاء الشيخ عبد الله بن خالد العدساني. مؤرخة في 21 شعبان 1341.

[5] معجم تراجم أعلام الوقف. الجزء الأول. الأمانة العامة للأوقاف. 2014م.

[6] مجلة الكويت. عبد العزيز الرشيد. شوال وذو القعدة 1346. ص 84.

[7] مثل وصيته المؤرخة في 20 ربيع الأول سنة 1271، وثيقة صادرة عن الشيخ عبدالله بن خالد العدساني.

Loading