نسبه

  هو محمد بن سيف بن حمد بن محمد العتيقي. هكذا سجل نسبه بخطه في 20 ذو القعدة سنة 1212 في قيد تملك بالشراء لمخطوط "سراج القارئ المبتدئ وتذكار المقرئ المنتهي" لعلاء الدين علي بن عثمان القاصح العذري البغدادي[1] (وثيقة رقم 4). والعتيقي نسبة إلى العتيق أبي بكر الصديق رضي الله عنه[2] [3]. ولمحمد المترجم له عدة تراجم سابقة أقدمها لمعاصره عثمان بن سند في سبائك العسجد،[4] ثم لمحمد بن عبد الله بن حميد في السحب الوابلة على طبقات الحنابلة،[5] ثم لعبد الله البسام في علماء نجد في ثمانية قرون،[6] ثم ترجمنا له في بحثنا "علماء العتيقي في ثلاثة قرون" في مجلة الدارة.[7] ونجمع هنا بين ما تقدم من تراجم وبين ما توفر لدينا من مصادر أخرى نافعة. 

 نشأته

 ولد محمد بن سيف في سنة 1175هـ[8] في بلدة أسرته حرمة من قرى نجد بإقليم سدير حيث تعيش أسرته. وكانت نشأته في بيئة علمية حيث كان والده إماماً لمسجد ابن سليم في بلدته حرمه، وصاحب مدرسة ومكتبة من أقدم المكتبات العلمية في نجد في وقتها. وكانت أسرته ميسورة حيث كان لوالدهم أملاك ونخل أوقف بعضها على المكتبة والمدرسة.[9] وكان لمحمد إخوة عديدون نعرف منهم حمد والشيخ صالح وعبدالله وإبراهيم وعبدالرحمن.[10] ارتحل محمد مع أبيه وأخيه صالح في طلب العلم إلى الأحساء حيث درس على علماء المذهب. يقول عنه أحد أقرانه عثمان بن سند:

"ولد في نجد فتردى برداء المجد ورحل مع أبيه إلى هجر وقرأ القرآن أيام الصغر وشغل به آناء الليل والنهار وعمل به رجاء الفوز في دار القرار وعادت عليه بركته وتمت به خيراته ونعمه واستحق ببركته مصاحبة الأخيار وتقديمه في الإيراد والإصدار والإشارة إليه بأنامل الإكرام وإجلاسه على فرش الإجلال والإعظام وانتظامه في سلك الأفاضل الأعلام."

وتدل هذه العبارات على تعلق المترجم بالقرآن وعلومه وبلوغه أعلى المراتب العلمية في وقته.

شيوخه

يتضح من سيرته أنه درس أول الأمر على والده سيف في حرمه.  ويذكر البسام أنه قرأ على علماء سدير ولم يسمهم. والمشهور منهم ذلك الوقت أحمد التويجري وعبد الله المويس وعبد الله بن سحيم. وكونه ارتحل إلى الأحساء مظنة تلمذته على علمائه الذين درس عليهم أخوه صالح من قبله مثل محمد بن عبد الله بن فيروز وعيسى بن مطلق وعبد الوهاب الزواوي. كما يستفاد من سيرته ومن الكتب التي وهبها له أبوه أنه استفاد من تلاميذ ابن فيروز مثل عبد المحسن بن علي الشارخي وعبد العزيز بن عدوان وأخيه صالح بن سيف[11] كما قد يكون درس على علماء الحرمين حيث ثبتت إقامته فيهما.

صفاته

كان المترجم من أصحاب أحمد بن رزق التاجر المشهور ومن جلسائه في مجلسه بالبصرة. ذكر ابن سند بعض أوصافه قائلاً:[12]

"ولعل السبب في محبة أحمد إياه ما يراه من إنابته وتقواه وصدق معاملته ووفاه، وحسن طويته وصفاه وصحة عقود وداده وطهارة باطنه وفؤاده. لم يزل على أقوم سيرة وأصفى نية وسريرة واصلا للأرحام عارفا بالحلال والحرام بعيداً عن العقود الفاسدة قريباً إلى كل خلة ماجدة كريم الطبع رحيب الربع لا يمنع من اجتداه وإن كان من أعداه."

وما ذكرت فيه فمن بعض خلال أبيه

فلا تحسباً أن الندى فيه حادث
ولكنه فيه قديم وتالد

فمن قبله أعطى ابوه نواله
أيبخل نجل قبله جاد والد

وهو وإن كان ابن سيف فإنه في الهيجاء أبوه. وإن كان في اللواء خادم الضيف فهو مولاه على من يجفوه.

 حاتمي إذا راى الضيف لاقاه
بوجه من المكارم طلق

فيه راق الحيا وأما المحيا
فهو للضيف إن أتى وجه برق

وأما مفاكهته ومعاشرته ومداعبته فألطف من هبوب الرياح وأرق من السقيط على شفاه الأقاح.

 يغني الجليس بنطقه وبكفه
مهما حكى أو جاد بالأفضال

 إن يفتخر ملك بسمر عواسل
ففخاره بصوالح الأعمال

وكان المترجم مولعاً بالعلم والكتب النافعة ذكرنا منها كتاب ابن القاصح في القراءات. ومنها ديوان شعر في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم ليحيى بن يوسف الصرصري البغدادي الحنبلي وعليه قيد تملك للمترجم مؤرخاً في 1204 (وثيقة رقم 2). ومنها تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل لابن الخازن الذي أوقفه أبوه سيف على أولاده (وثيقة رقم 1). ومنها مجموع في الفقه والأخبار والفوائد وهبه أبوه سيف في آخر حياته على ما يبدو. جاء في صك الهبة:

"قد وهبت هذا الكتاب الشريف ولدي أصلحه (الله) محمد بن سيف هبة شرعية وأنا في حال نصحه. ويل لمن تعرضه فيه. فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم. وذلك في رجب سنة ألف و مائة … "[13]

(وثيقة رقم 3 بموقع العتيقي).

أعماله

 مع كثرة من ترجم لمحمد بن سيف لم يصلنا ما يكفي من أعماله. ولكن جاء في السحب الوابلة ما يفيد أن الشيخ محمد بن يحيى بن فائز بن ظهيرة المخزومي كان يثني عليه فيما نقله ابن حميد، وابن ظهيرة تولى إفتاء الحنابلة بمكة المكرمة مدة طويلة فلعله كان يذاكره في بعض المسائل الفقهية، أو أن المترجم له تولى التدريس في الحرم.[14] كما ذكر البسام أنه تولى التدريس والإفتاء في بلد الزبير قرب البصرة حيث استقر بعد انتقاله من الأحساء وقد استفاد منه خلق كثير.[15] ومن المرجح أن انتقاله من الأحساء كان حوالي سنة 1206 وهي السنة التي انتقل فيها أستاذه محمد بن فيروز ومن معه من أصحاب عندما ظنوا أن ابن سعود آخذه. وذلك لأن هذا الفريق لم يكن موافقاً لرأي آل سعود وكان ابن فيروز يراسل السلطان العثماني ليستعديه عليه فلم يقدر.[16] وكان محمد بن سيف ينظم الشعر في الفضائل. من ذلك ما ذكره البسام في فضل العلم والمتعلم:[17]

أيا طالب الدنيا ومن كان همه
لجمع حطام المال في كل ليلة

تفقه فإن الفقه يحمي من الردى
تعلم فإن العلم نعم الذخيرة

مدارسة الإخوان للعلم بينهم
مقامة عز يا لها من معزة

ألا إنهم حفاظ دين محمد
حماة له من كل صاحب بدعة

ألم تر أن العلم بالبذل زائد
ومالاً بعكس العلم من غير ريبة

كذلك إن العلم يحرس أهله
ويحفظهم من كل أمر مضلة

وكن عالماً إن المهيمن سائلٌ
لمن كان ذا مال وعلم وحكمة

عن العلم هل أديته أو كتمته
كذا المال هل أديت حقي وقسمتي

ولكن أشهر أعماله على الإطلاق قصيدة نظم الجواهر في النهي والأوامر وهي في الآداب الشرعية. ذكرها ابن حميد والشيخ إبراهيم بن صالح بن عيسى[18] ونسبوها إلى المترجم وكذلك فعل البسام ويتوفر منها عدة نسخ مخطوطة في دارة الملك عبد العزيز ومكتبات أخرى بالمملكة العربية السعودية.

جاء في مطلع نظم الجواهر:

أري المجد صعبا غير سهل التناول
شديداً أبياً معجزاً للمحاول

بعيد مرام نادر من يحوزه
يشق على أهل الدناة الأرافل

وأهل العلا قد نافسوا في اكتسابه
فكانوا به أحياء تحت الجنادل

فلا مجد إلا باهتمام ورغبة
وقوة عزم باكتساب الفضائل

وملاكها تقوى الإله فإنها
تبوئ في الجنات أعلى المنازل

وتنجي الفتى يوم الجزا وتجيره
من النار دار الخزي ذات السلاسل

وما نائل التقوى من الناس كلهم
سوى تارك المنهي للأمر فاعل

 وفاته

 ذكر ابن حميد والبسام أنه توفي قريباً من 1200هـ. وذلك مستبعد لعدة أسباب. منها أنه له قيود تملك بخطه ذكرناها في 1204 و1212. ومنها أن ابن سند صرح أنه كان على قيد الحياة وقت تأليفه سبائك العسجد وكان ذلك بعد 1224 وقبل 1239. وكان المترحم حين ذلك في البصرة حيث لقبه ابن سند بالنجدي البصري. وكونه استقر في الزبير ودرس وأفتى فيها فترة يدل على تأخر وفاته عن 1224 بسنين. ولدينا صورة من وصيته التي وثقت عام 1233. وقد ذكر ابن حميد أنه استقر في المدينة المنورة في آخر حياته بعد أن حج البيت. فلا شك أن هذا كان بعد إقامته في الزبير بفترة. ونقل ابن حميد في ذلك كرامة مفادها أن المذكور حج ثم زار النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده. فلما خرجت القافلة خارج المدينة وعزم على الذهاب معهم إلى بلده رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم وقال له:"يا محمد كيف تخرج من عندنا وأنت من جيراننا؟" فلما أصبح نأى عن السفر ورجع إلى المدينة، فأقام فيها أياماً قلائل ثم توفاه الله تعالى فيها. ولمحمد ابن عالم هو سيف بن محمد وكان جميل الخط جداً كما يتضح من قيد وقفه كتاب هداية الراغب لشرح عمدة الطالب للشيخ عثمان بن أحمد النجدي الحنبلي مؤرخاً في 7 ذي الحجة 1236[19] (وثيقة 5).

إعداد:

د. عماد محمد العتيقي

تم تحديثه في رمضان 1439- يونيو 2018م


الهوامش:

[1] مخطوط رقم 59 بمكتبة إدارة المخطوطات بوزارة الأوقاف الكويتية.

[2] هذا النسب متواتر عن شيوخ الأسرة وأثبتناه في شجرة العتيقي من تأليفنا 2002م.

[3] انظر: وثيقة (38) العتيقي نسباً.

[4] عثمان بن سند البصري "سبائك العسجد في أخبار أحمد نجل رزق الأسعد" ت 1242. مطبعة البيان بمبي 1315.

[5] محمد بن عبد الله بن حميد "السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة" ت 1295. تحقيق بكر عبد الله أبو زيد و د. عبد الرحمن بن سليمان العثيمين. مؤسسة الرسالة 1416 بيروت.

[6] عبد الله عبد الرحمن البسام "علماء نجد خلال ثمانية قرون" دار العاصمة، الرياض 1998م.

[7] عماد بن محمد العتيقي"علماء العتيقي في ثلاثة قرون" الدارة، 4، س 25، 1420، ص 87-128.

[8] عماد بن محمد العتيقي، المصدر السابق.

[9] عماد بن محمد العتيقي، المصدر السابق.

[10] شجرة العتيقي، مصدر سابق.

[11] مخطوط رقم 155، مكتبة المخطوطات بوزارة الأوقاف الكويتية، بدون عنوان.

[12] عثمان بن سند، مصدر سابق.

[13] مخطوط رقم 155، مصدر سابق.

[14] محمد بن عبد الله بن حميد، مصدر سابق.

[15] عبد الله بن عبد الرحمن البسام، مصدر سابق.

[16] محمد بن عبد الله بن حميد، مصدر سابق.

[17] عبدالله بن عبدالرحمن البسام، مصدر سابق.

[18] إبراهيم بن صالح بن عيسى، مجموع مخطوط. ق 82.

[19] مخطوط لدى مكتبة المخطوطات بوزارة الأوقاف، رقم 49.

Loading