تمهيد:

تهدف هذه المقالة إلى طرح بعض التساؤلات عن مدرسة سيف العتيقي الواردة في معرض سيرة أحد علماء العتيقي في كتاب السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة. ولما كان ذكر هذه المدرسة قد ورد بصيغةٍ مبهمة، ولأهمية التعليم في تاريخ عشيرة العتيقي على مر الأجيال (1)، نرى أنه من المناسب عرض الموضوع والتساؤلات التي لدينا حوله، من خلال النقد الموضوعي للنصوص، لعل هذه التساؤلات تسهم في نفض الغبار عنه، وتفتح المجال لإعادة النظر في موقع المدرسة ونسبتها.

خلفية الموضوع:

ذكر الشيخ محمد بن عبدالله ابن حميد مفتي الحنابلة بمكة عدداً من علماء العتيقي النجديين، وهم: سيف بن أحمد، محمد بن سيف، صالح بن سيف، وسيف بن محمد بن أحمد (2). أما الثلاثة السابقون، فقد عرفهم المؤلف بالتحديد، وهم الوالد سيف وابنيه صالح ومحمد. وقد سبقه إلى تعريفهم كلياً أو جزئياً الشيخ محمد بن عبدالله ابن فيروز في نبذة مخطوطة (3)، والشيخ عثمان ابن سند في “سبائك العسجد”، حيث أنها متقاربان في الزمان والصحبة مع المترجم لهم. وأما الأخير: سيف بن محمد بن أحمد، فتفرد بسيرته ابن حميد، ذلك لأنه متأخر عن الأولين. وابن حميد متوفى سنة 1295 (1878م)، وكان ينقل سيرة سيف المذكور عن شيخه عبدالجبار بن علي البصري، وعن سلفه في إفتاء الحنابلة بمكة وهو محمد بن يحيى بن فائز بن ظهيرة القُرشي المخزومي المتوفى سنة 1271(1855م) عن مئة عام. ذكر المؤلف سيفاً بصيغة مبهمة بقوله “لعله من ذرية المذكور قبله أو أقاربه”. ثم أضاف “وقد كان قريباً من زماننا وله شهرة بالخير والفضل والصلاح، وقف كتباً نفائس منها على شيخنا المرحوم الشيخ عبدالجبار جملة منها الفروع ….”. ثم تطرق ابن حميد إلى من سمع منهم الثناء على المترجم مثل عبدالجبار البصري، وابن ظهيرة المخزومي. بعد ذلك انتقل ابن حميد إلى مداخلة في سيرة ابن ظهيرة وقضائه ومن كان يكتب له الفتاوى، إلخ. ثم رجع إلى المترجم سيف وذكر المدرسة المنسوبة إليه (4).

لقد تعرفنا على المترجم في دراسةٍ سابقة واستعرضنا اللبس الذي حصل في تحقيق السحب الوابلة بذكر المترجم ابنا لمحمد ابن سيف العتيقي، بينما اسمه عند المؤلف: سيف بن محمد بن أحمد (حمد). ورجحنا أنه سيف بن محمد بن حمد ابن الشيخ سيف العتيقي (5).

المسألة المطروحة:

ورد ذكر المدرسة المنسوبة إلى سيف بهذا اللفظ “وسمعتُ أن في سدير مدرسة من أوقاف سيف المذكور، أو الذي قبله، ووقف عليها كتباً جمة، ونخلاً تصرف غلته للطلبة. ولا أدري متى تُوفي”(6).

هنا تبرز مسائل البحث. أولا: ممن سمع ابن حميد ذكر المدرسة، ثانياً: هل المدرسة منسوبة إلى سيف أو الذي قبله وهو سيف الجد، ثالثاً: أين تقع هذه المدرسة؟

التعليق:

أولاً: أما السؤال الأول وهو مصدر ابن حميد، فلم يصرح به، ولا ندري هل هو أحد مصادره التي صرح بها مثل شيخه عبدالجبار، أو ابن ظهيرة، أو غيرهم.

ثانياً: شك المؤلف في نسبة المدرسة إلى سيف بن محمد أو سيف بن أحمد. وحيث قد تم تعريف المترجم سيف بن محمد أنه من أحفاد الشيخ سيف المتوفى في الأحساء سنة 1190 (1176م)، فإن ذرية الأخير المعروفة توزعت بين الكويت وبلد الزبير في سكناها. ومن سكن الزبير منهم مثل صالح بن سيف ومحمد بن سيف انتقل أولادهم أو أحفادهم إلى الكويت. وإذا كانت المدرسة في سدير كما يقول ابن حميد فالأحرى أنها تتعلق بسيف الجد لأنه هو الذي كان يعيش في سدير وعلى وجه التحديد في بلد حرمة بناحية منيخ، قبل أن يرتحل إلى الكويت مع بعض أهله وأولاده في السنة الأخيرة من حياته (7). أما حفيده سيف بن محمد فالمتوفر عنه من المعلومات يدور حول ما قال ابن حميد، ولكنه بالتأكيد نشأ في الكويت حيث كان والده محمد بن حمد بن سيف يدير شركة تجارية مع أخيه سيف بن حمد قبل أن يستقل كل واحد منهما عن الآخر بماله (8).

وما ذكر ابن حميد عن سيف بن محمد يدل على أنه كان يرتحل في طلب العلم والتعليم، يدل على ذلك علاقته مع عبدالجبار البصري ومحمد بن يحيى الظهيري المكي، ولم يثبت له أي تعلق في سدير فيما توصلنا إليه من مصادر. ومع ذلك لا يستبعد أن يكون له علاقة بأوقاف النخل أو نظارة لأن الولاية عليه ظلت في آل سيف بعد انتقالهم إلى الكويت حتى زمن عبدالله بن سيف بن حمد بن سيف، وهو متأخر الوفاة عن ابن عمه سيف بن محمد بن حمد بن سيف بعقود (9).

وبالتالي فإن التوجه الأقوى هو أن المدرسة هي لسيف الجد، فهو صاحب نخل معروفٌ في بلد حرمه، وله أوقافٌ معروفة من الكتب. ونخل سيف العتيقي يشمل العتيقية والولادة وله فيها أوقاف وأسبال على أهله وذريته (10). ولكن لا نجد في وثائق سيفٍ أو ذريته أنه أوقف غلة نخلٍ على طلبة مدرسة، وهذه المدرسة غير معروفة أصلاً في بلده.

ثالثاً: السؤال الأخير وهو موقع المدرسة، فهو مرتبطٌ بالجواب على السؤال الثاني. ومن المعلوم أن آل العتيقي كانوا في حرمة قبل انتقالهم منها إلى بلدانٍ أخرى. وذلك يجعل حرمة هي البلد المرشح لمقر المدرسة. وهذا الاحتمال تم استبعاده فيما مضى من مناقشة. ولكن مرجعاً متأخراً من أهل القرن الرابع عشر، وهو الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله بن حمود التويجري يقول ” إن المدرسة التي أوقفها المترجم هي في مدينة المجمعة، قد بيعت هي وبيت القاضي بجوارها بإفتاء بعض قضاته، وذلك حوالي سنة 1370 أو قبلها بقليل (11).

ذلك هو التوقيع الوحيد المنشور لمقر المدرسة. وعندما نعرض هذه الرواية على المنطق فإنه يرد عليها الاستفسارات التالية:

  1. إن المدرسة يسبق تأسيسها السنة المفترض بيعها بقرنين من الزمن. فأين معلموها وأين طلبتها الذين تخرجوا منها. لم لا يسعفنا التاريخ بذكر أحد منهم خلال هذه المدة وهي ليست بعيدة.

  2. كيف لنا أن نقبل وجود المدرسة في المجمعة ولم يثبت تعلق مؤسسها المفترض في المجمعة، سواء كان ذلك سيف بن حمد أم سيف بن محمد.

  3. إذا كان هناك عقد بيع للمدرسة فمن هو البائع ومن هو المشتري، وأين عقود البيع، ومن هو القاضي الموقع للبيع.

إنه مع الأسف لا يوجد لدينا إجابة محددة على أي من الاستفسارات السابقة. ولكن إشارة التويجري إلى بيت القاضي قرب المدرسة تدل على الشيخ إبراهيم العتيقي قاضي المجمعة المتوفى في 7 رجب سنة 1315(2 ديسمبر 1897م) (12). والمدرسة التي كانت مجاورة لبيت القاضي هي مدرسة الشيخ عبدالعزيز بن محمد العتيقي التي كانت قائمة فيما بين سنة 1350-1352 (1931-1933م) عندما كان صاحبها يعيش في المجمعة، والمدرسة هي في بيته الذي تم بيعه في ذي الحجة سنة 1365 (نوفمبر 1946م) (13)، والتاريخ قريبٌ من الذي ذكره التويجري. فهل اختلط الأمر على التويجري وظن أن المدرسة هي متوارثة عند العتيقي منذ زمن سيف؟ أرى أن هذا الاحتمال أقوى من صحة وجود مدرسة سيف العتيقي في المجمعة.

ثم إن عبارة ابن حميد “نخلاً تصرف غلته للطلبة” توحي بوجود رباط للطلبة تابع للمدرسة يقيمون فيه، وهكذا يستفيدون من غلة النخل لمعاشهم. وقد تتبعت أوقاف العتيقي في نجد والكويت، وهي على كثرتها كانت إما خيرية أو أهلية يُحدد فيها اسم الموقوف عليه سواءً من الذرية أو من أشخاصٍ معينين يذكرهم الواقف بأعيانهم. ولم يرد فيها وقفٌ على طلبةِ علم لا في سدير ولا في الكويت.  ولا يُعرف في سدير ولا في الكويت طلبة علم استقروا في رباط أو مدرسة باسم العتيقي. ونظام الأربطة معروفٌ في حواضر علمية مثل مكة المكرمة والأحساء عندما يفد الطلبة للدراسة على علماء مشهورين ويسكنون الأربطة الموقوفة على طلبة العلم (14). فليس من المستبعد أن يكون وقف النخل على مدرسة ورباطٍ في إحدى هذه الحواضر. وعلماء العتيقي كان لهم ارتباطٌ وثيقٌ في الأحساء، وهي البلد الذي توفي فيه سيف بن حمد العتيقي. ولسيف ارتباطٌ وثيقٌ بعلماء الحرمين، مكة المكرمة والمدينة المنورة، وكان هو ضابط الاتصال بينهم وبين علماء سدير في مناقشاتهم حول الدعوة الوهابية (15). كما إن سيف بن محمد كان يتردد على علماء مكة المكرمة بدلالة علاقته مع الشيخ ابن ظهيرة. وبالتالي لا نستبعد أن النخل الموقوف كانت غلته تصرف على طلبة المدرسة في مكة المكرمة إن كانت المدرسة فيها، وعلى وجه الخصوص لكون مكة هي مصدر قدوم العائلة إلى سدير (16)، ولكن ذلك يحتاج إلى تأصيلٍ من مصادر واضحة الدلالة للتأكيد على مقر المدرسة.

خلاصة:

استعرضنا في هذه الدراسة رواية السحب الوابلة حول مدرسة سيف العتيقي وأوقافها، والمستفيدين منها. وتوقفنا عند الغموض الذي يحيط بصاحب المدرسة وشخصيته، وكذلك مقر المدرسة المفترض أنه في سدير والذي لم يعثر عليه رغم وجود رواية أنه كان في المجمعة. وناقشنا تلك الرواية وأوضحنا ما حولها من شكوك. وتوصلنا إلى أن عبارة ابن حميد حول مصارف غلة النخل الموقوف تشير إلى وجود ما يشبه رباط كالذي يكثر في الحواضر مثل مكة المكرمة والأحساء، ولم يشتهر في بلدان نجد. وبالتالي نرى أن يوسع مجال البحث عن مقر المدرسة ليمتد إلى الحواضر التي اتصل فيها علماء العتيقي مثل مكة المكرمة أو الأحساء.

أ.د. عماد محمد العتيقي

صفر 1443 هجرية – أكتوبر 2021

الهوامش:

(1) كانت عشيرة العتيقي معروفة بهذا الوصف (عشيرة) قبل حوالي مئة سنة كما ذكر الشيخ إبراهيم بن صالح ابن عيسى عنها، وذكر موطنها في بلدة حرمة بسدير. انظر: عبدالله بن عبدالرحمن البسام “علماء نجد خلال ثمانية قرون”، ط2، ج2، ص 416. ومعلوم أن العشيرة أكبر وأقدم من العائلة.

(2) محمد ين عبدالله ابن حميد النجدي “السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة”، تحقيق بكر بن عبدالله أبو زيد وعبدالرحمن بن سليمان العثيمين، مؤسسة الرسالة، بيروت 1416-1996م.

(3) ترجمة محمد بن عبدالله بن فيروز وشيوخه وأصحابه. مخطوط بخط الشيخ صالح بن سيف العتيفي. (4) ابن حميد. مرجع سبق ذكره. ج1. ص 418-19.

(5) عماد بن محمد العتيقي “علماء العتيقي في ثلاثة قرون”، الدارة، س 25، ع4، ص 87-128.

(6) ابن حميد. مرجع سبق ذكره.

(7) الشيخ سيف بن حمد العتيقي 1106-1190. موقع العتيقي https://alateeqi.com/arabic/biography_desc.php?id=1

(8) المصدر: وثيقة خاصة بعائلة العتيقي.

(9) كان عبدالله بن سيف العتيقي على قيد الحياة سنة 1301 عندما وكل ابنه محمد على بعض الأملاك والاوقاف. انظر الوثيقة رقم (13) في هذا الموقع.

(10) المصدر: وثيقة خاصة بعائلة العتيقي.

(11) البسام. مرجع سبق ذكره. ص 417-19.

(12) البسام. مرجع سبق ذكره. ج2، ص 416.

(13) وثيقة مشترى أولاد ناصر بن محمد المزيني بيت جدنا محمد بن عبدالعزيز العتيقي في المجمعة، توثيق الشيخ أحمد بن محمد ابن حسن.

(14) حسين عبدالعزيز شافعي ” الأربطة بمكة المكرمة في العهد العثماني”، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، الرياض 1426-2005م.

(15) حسين ابن غنام “تاريخ نجد”، ورد فيه ذكر سيف العتيقي ضمن إحدى رسائل الشيخ محمد بن عبدالوهاب أنه كان يستقبل رسائل من علماء الحرمين: مكة والمدينة.

(16) نقلا عن العم عبدالرحمن سالم العتيقي رحمه الله. قال أنهم كانوا في وادي فاطمة بمكة. المصدر: مقابلة مع الدكتور إبراهيم الشريفي.

Loading