دراسة وثائقية

أ.د. عماد بن محمد بن عبد العزيز العتيقي

يتميز تاريخ بلد (حَرْمة) بظاهرة فريدة بين بلدان سدير أو نجد على وجه العموم، ألا وهي النزوح الجماعي الذي حصل قبل حوالي قرنين ونصف من الزمن. ترك ذلك النزوح علامات استفهام كثيرة في التاريخ الاجتماعي والاقتصادي ما زالت غير محلولة، والوثائق التي بين أيدينا توضح عينات من علامات الاستفهام، التي طرأت بعد جيلين من زمن النزوح، وهي توضح أيضاً مواقع بعض بيوت أهل البلد مما قد يسهم في رسم الخارطة الاجتماعية والعمرانية القديمة لها.

نستخدم في هذه الدراسة المنهج الوثائقي حيث نقوم باستعراض وثيقتين مختلفتين فيما يتعلق بهذا الموضوع بدون استفاضة في تحليل كافة ما فيهما من فوائد دفعاً للإطالة، ونرجو بذلك تسليط الضوء على بعض المشكلات التي واجهت أهل (حَرْمة) عندما رجعوا إليها من البلدان التي كانوا قد انتقلوا إليها محاولين استعادة حياتهم الطبيعية من خلال التعامل مع العقارات المهجورة أو المتهدمة.

السياق العام

النصوص تتعلق بأحداث جرت في سنة 1193هــ (1779م)، في بلد (حَرْمة) من إقليم سدير، ويقع في ناحية (منيخ) الواقعة في شمال سدير، وتشمل (حَرْمة) و(المجمعة) و(أُشي) وقرى أخرى، وانتهت هذه الأحداث بخروج أهل (حَرْمة) عن طاعة الإمام عبدالعزيز بن سعود بعد تعهدهم له بالطاعة، ونظراً لتكرر ذلك منهم وتعاونهم مع أهل (الزلفي) وأمير بني خالد في (الأحساء)؛ فقد قرر الإمام إبعادهم، وتدمير السور والمنازل، وضم أملاكهم الزراعية لبيت المال، فَرَحل أكثرهم إلى (الزُبير)، وبعضهم إلى (المجمعة)، و(الزلفي)، وبلدان أخرى في نجد،[1] وبعد ذلك بدأ بعض أهل (حَرْمة) في العودة تدريجياً إلى بلدهم، لإصلاح بيوتهم وأملاكهم،[2] فَنجد أنه بحلول سنة 1236هــ (أولها 9 أكتوبر 1820م) استعادوا بعض مكانتهم، وتدخلوا لإصلاح ذات البين بين أهل (المجمعة) وبين أمرائها السابقين آل عثمان،[3] وما لبث أن نشبت معركة بين أهل (حَرْمة) وأهل (المجمعة) في سنة 1239هــ (أولها 7 سبتمبر 1823م)،[4] ثم ساد الأمن بعد سيطرة مؤسس الدولة السعودية الثانية الإمام تركي بن عبدالله في عام 1239ه، حتى قُتل في آخر ذي الحجة 1249هــ (9 مايو 1834م)، وتولى ابنه فيصل. واجه الإمام فيصل بن تركي في سنة 1252هــ (أولها 18 إبريل 1836م) تحديات من العساكر المصرية والتركية التي تحالف معها الأمير خالد بن سعود القادم من (مصر)، ثم لحق بهم خورشيد باشا في 1253هـ (أولها 7 إبريل 1837م) وكانت في تلكم الأيام حروب وفِتن، وعمَّ الغلاء والقحط نجداً بسبب الحرب. انتقل فيصل إلى (الدلم) وكان رجلاً حكيماً حليماً؛ فأرسل إلى خورشيد باشا بطلب الصلح، فأجابه إلى ذلك على أن ينتقل بعائلته إلى مصر، فتم له ذلك في سنة 1254هـ (أولها 27 مارس 1838م)، وتحولت نجد إلى حكم الترك من جديد الذين أمّروا خالد بن سعود عليها، ودخلت البلد في هرج ومرج فنازع الأمير عبدالله بن ثنيان ابن عمه خالد على الزعامة، وذلك في سنة 1257هـ (أولها 23 فبراير 1841م)، ودارت بينهما حرب طاحنة انتهت بانتصار ابن ثنيان وأخذ فيها الرياض، وهنا وفد عليه أهل سدير، منهم عبدالله بن عثمان المدلجي أمير (حَرْمة) وناصر بن حمد بن صالح صاحب بيت مال سدير، واستمرت القلاقل حتى عاد فيصل بن تركي من (مصر)، واستلم الإمارة في 1259هــ (أولها 1 فبراير 1843م)،[5] وفي هذه الفترة المتقلبة والحافلة بالتغيرات والفتن، كان بعض أهل البلد يحاولون استعادة حياتهم الطبيعية بعد أن رجعوا إليها؛ فاكتشفوا أن كثيراً من البنية المعلوماتية والبنية التحتية القديمة لم تعد موجودة بعد تعاقب جيلين من الناس وتهدم كثير من البيوت.

الوثيقة الأولى

 رسالة من (حَرْمة) إلى الشيخ حمد ابن لعبون – سؤال وجواب حول عقار ابن قضيب.

تشتمل هذه الوثيقة النفيسة على نصين: الأول سؤال من عبدالمحسن بن رشيد العنيزي، والثاني عينة نادرة من خط المؤرخ حمد بن محمد ابن ناصر الشهير بابن لعبون، جواباً على السؤال.

النص الأول:

"بسم الله الرحمن الرحيم

من عبدالمحسن بن رشيد العنيزي إلى جناب الوالد حمد بن محمد سلمه الله تعالى السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد لا يخفا (يخفى) على جنابك متعك الله متاع حسن من حال بيت منصور بن قضيب الذي في باب عقدة حرمة جاره من الجنوب بيت البتيري ومن شرق بيت سليمان العتيقي ويتمه بيت أبا الحويل. وأجرا (أجرى) الله أمره على حرمة وجلو. وشريت البيت من عيال منصور المذكور ولقينا عيال محمد بن سليمان العتيقي واضعين يدهم عليه ولا معهم عليه من سلطان إلا وضع اليد وأنه جاريتهم. وعندنا شاهد العطيشي أوردناه على عبدالعزيز أنه ملك منصور وجلا وهو في ملكه، وأيضاً شايعه بنت سليم وأنه بيته وجلا وهو في ملكه، وأيضاً فاطمه عمة الأولاد المذكورين وهي وارثة شهدة (شهدت) أنه بيت منصور وجلا ولا أعلم أحد تملكه من بعده لا بوي (أبوي) ولا غيره. ادعو (ادعوا) الأولاد أن عمتهم مهذرية لأجل أن الأولاد توهم طالعين على الدنيا ومعهم بعض الشفقة عليها بالحاظر (بالحاضر). الله يطول عمرك ما بقى من الرفاقه من يعرف بأحوال البلد إلا أنت لأجل قربك منه وأنه جار لأبا الحويل. فضل من جنابك تذكر لنا معرفتك فيه لأجل نعرضها على عبدالعزيز، وعينت بالخط رجال لأجل أني ابي أنحدر مع ها الربع وأنت في أمان الله وحفظه والسلام".

النص الثاني:

" بسم الله الرحمن الرحيم

الذي يعلم به من يراه بأني أنا يا كاتبه أشهد على بيت منصور بن قضيب وهو أنه في الموضع المحدود في هذه الورقة. والمخزن له باب مقابل مخازن آل سيف قد دخلت عليه فيه وهو يقطع الزاد والمجزر والملح وغيره. قال ذلك وكتبه حمد بن محمد بن ناصر يبلغ ملقاه (من لقاه) السلام. وباب بيته موازن (موازٍ) دار أبا الحويل وباب مخزنه موازن مخازن سيف والسلام".

الوصف: رسالة استفسار حول ملكية بيت وجوابها.

المصدر: خزانة عائلة البتيري الكريمة، نسخة من إهداء الأخ د. فائز البدراني الحربي.

الموثق: النص الأول عبدالمحسن بن رشيد العنيزي، والثاني حمد بن محمد بن ناصر المعروف بابن لعبون.

التاريخ: غير مؤرخ، وسيأتي ما يفيد تقديره بين 1251هــ (أولها 29 إبريل 1835م) و 1253هـ (أولها 7 إبريل 1837م).

صاحب العقار الأصلي: منصور ابن قضيب.

عنوان العقار: بلد (حَرْمة) في سدير.

الأختام: لا يوجد.

السياق الخاص

تحرير تاريخ الوثيقة: يتضمن النص إشارة إلى أولاد محمد بن سليمان العتيقي أنهم "توهم طالعين على الدنيا"، والأولاد المذكورون هم عبدالعزيز، وحمد، وإبراهيم الذي تولى لاحقاً قضاء (المجمعة) وسدير، وقد يُفهم من فحوى الكلام أنهم بدأوا حديثاً في التحرك التجاري بعد انتقال والدهم (محمد) إلى رحمة الله، وهذا التفسير يمكن تدعيمه بنصوص أخرى وصلت إلينا من خزانة الجد المرحوم محمد بن سليمان العتيقي وأولاده، منها أنه قد تم حصر تركته بمبلغ (ألفين) ريال تشتمل على عيش، وحديد، ودراهم، ودواب، وسلاح، ودُور، ودَين في السوق، وذلك في 5 جمادى الثانية عام 1251هــ (27 سبتمبر 1835م)، ومنها أنهم بدأوا بعد ذلك في التحرك بتملك العقارات باسم "أبناء محمد بن سليمان العتيقي" بعد ذلك بقليل كما تدل عليه تملكات عقارية لهم في (المجمعة) أحدها في 8 ذي الحجة 1252هــ (15 مارس 1837م)، وآخر في شعبان 1253هــ (نوفمبر 1837م)،[6] ومحمد المذكور توفي على الأرجح في 1251هــ وهو تاريخ حصر إرثه، وهنا يأتي تقدير تاريخ الوثيقة ما بين (1251-1253هــ)؛ لأن قوله: "توهم طالعين على الدنيا" يفيد أن وفاة والدهم لم يمر عليها فترة طويلة، وأن تحركاتهم المالية قد بدأت في الظهور. ومن حيث علاقة أطراف الوثيقة الآخرين ببلد (حَرْمة) فإن الشيخ حمد بن محمد بن ناصر الشهير بابن لعبون من أهل هذا البلد،  وقد جاء في ترجمته في صدر كتابه المنسوب إليه "تاريخ ابن لعبون" أن حمد بن محمد بن ناصر بن عثمان (لعبون) بن ناصر المدلجي الوائلي، وُلد في (حَرْمة) قبيل 1182هـــ (1768م)، وتوفي في بلد (التويم) في 1260هــ (1844م)، توفي والده في 1182هــ، وأُجلي من بلده سنة 1193هــ (1779م) مع عمه فراج بن ناصر بعد الواقعة المشهورة، واستوطن حمد (القصب) ثم (ثادق) حيث ولد ابنه محمد الشاعر المشهور، واستقر فترة في بلد (التويم) من بلاد سدير من 1238هــ واشتهر بنسبته إليها، وصنف في عام 1255هـ كتابه المشهور به في التاريخ،[7] وأما العنيزي وابن قضيب فهي أُسر معروفة في (حَرْمة) قديماً ومن العائلات التي نزحت إلى (الزُبير).[8]

التحليل:

يتضح من حيثيات النص الأول أنه كُتب في (حَرْمة) ذاتها، ويتعلق السؤال بمعضلة حصلت للسائل عبدالمحسن العنيزي أنه اشترى بيت منصور ابن قضيب من أولاده الذين كانوا قد نزحوا من البلدة كما يُفهم من السياق، فلما وصل المشتري إلى (حَرْمة) وجد البيت في يد أولاد محمد بن سليمان العتيقي الذين ذكروا أنه جاريتهم، وأورد العنيزي على كبيرهم عبدالعزيز بن محمد العتيقي شهادة رجل وامرأتين من أهل البلد أن البيت لمنصور ابن قضيب، وأنه جلا وهو في ملكه، وردّ عبدالعزيز شهادة إحدى المرأتين وهي عمته فاطمة باعتبار أنها غير مؤهلة للشهادة، ويضيف الكاتب أن الأولاد لديهم بعض الشفقة على عمتهم، فربما يقصد بذلك أنهم لا يريدون مواجهة المرأة بالموضوع تقديراً لقرابتها منهم، وهو تفسيرٌ يتوافق مع السياق ومع سمو أخلاق القوم، ورغبةً من العنيزي في تقوية موقفه أمام (العتقه) قام بمراسلة حمد بن محمد بن ناصر ابن لعبون الذي كان وقتها يسكن بلد (التويم) في سدير كما تقدم، وهو من أهل (حَرْمة) الذين نشأوا فيها قبل الجلاء في عام 1193هــ حيث كان عمره أحد عشر عاماً على أقل تقدير، فيكون عمره في عام 1252هـ سبعين عاماً على أقل تقدير، ولذلك خاطبه صاحب السؤال بما يليق من الاحترام بصيغة الوالد، واستماله للتجاوب بأدعية لطيفة، وبكونه الوحيد الذي بقي من الرفاق الذين يعرفون أحوال البلد أي من الذين عاشوا فيها قبل الجلاء (على حد علم السائل)،  ثم أضاف السائل محفزاً آخر وهو قِصر مدة مكثه في (حَرْمة) وحاجته لاستعجال الجواب مع المراسل الذي أرسله، فاستحث ابن لعبون على ذلك بقوله: "عينت بالخط رجال لأني ابي انحدر مع هالربع"؛ فهو كان في عجلة من أمره للعودة إلى بلد (الزُبير) مع قافلة من معارفه متوجهة إلى هناك، وكانوا يعبرون عن سفر أحدهم إلى (الزُبير) بعبارة "ينحدر" أخذاً بالاعتبار الطبيعة الجغرافية بين المنطقتين.

تعاطف ابن لعبون مع صاحب السؤال، وكتب الجواب في نفس الورقة بأنه يعرف هذا البيت بيت منصور ابن قضيب في الحدود المذكورة في الورقة، وهو تأكيد ضمني أن بيوت (آل مدلج) الواقعة في محلة العقدة قريبة من موضع العقار الواقع في "باب عقدة حَرْمة"، وأضاف معلومات قيمة وهي أن صاحب البيت له مخزن، "والمخزن له باب مقابل مخازن آل سيف قد دخلت عليه فيه وهو يقطع الزاد والمجزر والملح وغيره."، "وباب بيته موازن دار أبا الحويل وباب مخزنه موازن مخازن سيف والسلام"، وهذه البيانات تجعلنا نستطيع تحديد مكان البيت بدقة؛ لأن البيت يقابل بيت سيف (العتيقي) ومخازن آل سيف، وكان التجار لهم مخازن في واجهة البيوت وخاصة أن الواجهة تقع على شارع السوق الأوسط،[9] وأفاد الجواب ذكر البضائع التي كان يتم التداول بها لدى ابن قضيب مثل الزاد، والملح، واللحوم (المجزر)، ولكن الجواب خلا من العبارة التي تكررت في كتاب السائل، وهي أن منصور ابن قضيب جلا والبيت في ملكه، ولو كان المسؤول يعرف شيئاً من ذلك لما أخفاه، وهو الرجل المشهود له بالثقة والنزاهة.

المهم في الموضوع أننا أيضاً لا نعلم ما حصل بعد ذلك سوى أن الكتاب استقر في حوزة (البتيري) جار الجماعة، ومن هناك وصلت إلينا نسخته، ولا تتوفر وجهة نظر الطرف الآخر من خلال الوثائق التي بين يدينا، ولا كيف تعاملوا مع جواب ابن لعبون. وهذه البيوت نجد من تتبع وثائقها أنها قد خربت بتقادم الزمن، واحتاجت إلى مبالغ كبيرة لتعميرها؛ فَنجد بيت سيف العتيقي المقابل لبيت أخيه سليمان قد بِيع قريباً من ذلك الزمن على محمد بن عثمان ابن عبدالكريم بمبلغ ستة ريالات، وأيضاً بِيع بيت محمد بن عبدالله ابن حسن المجاور لبيت سيف بمبلغ عشرة ريالات على ابن عبدالكريم المذكور، وقام ابن عبدالكريم بتعمير البيتين وجعلهما بيتاً واحداً باعه بعد ذلك على صالح بن سليمان بن صالح بن سليمان العتيقي بمبلغ ثلاثة وثمانين ريال.[10] ولنا أن نفترض أن البيوت المجاورة في تلك المنطقة حالها واحد من حيث التهالك واحتياجها إلى إعادة تعمير، وذلك يثير أسئلة فقهية وعملية عندما يأتي مشتري للبيت ويجد أنه قد تغير وانشغل بملاك آخرين غير الذين باعوه، وهذه المسائل خارجة عن إطار هذه الدراسة، ولكن يغلب على الظن أن الموضوع قد تم حله بطريقة ودية، حيث أن مسار الموثق كان في تجميع عدد من الشهود يكفي لإثبات البينة، وقد ألمح إلى أن القصد من مراسلة ابن لعبون هو عرض شهادته على عبدالعزيز، فكأن ذلك كان باتفاقٍ مع العتيقي، وفيهم إبراهيم بن محمد وكان طالب علم،[11] وأفرد عبدالعزيز بالذكر؛ لأنه أكبر إخوته ولا يخرجون عن رأيه على عادة القوم في احترام الكبير.

وذلك يسوقنا إلى النتيجة التي افتتحنا بها المقال، وهي أثر الجلاء والتشتت على المجتمع الصغير الذي كان في البلدة الصغيرة، وتناقص المعلومات مع مرور الزمن، ولذلك برزت مسائل خلافية على إثر ذلك كما حصل في هذه الحالة مثل وضع اليد للمدة الطويلة، وجريان العقار في يد صاحبه بالتملك أو إرثاً عن أسلافه. ونجد في المثال التالي أن هذه المسائل كانت حاضرة في ذهن الموثقين، واعتبرت في عقود أخرى مشابهة حصلت في ذلك الزمن.

الوثيقة الأولى (58-أ)

الوثيقة الأولى (58-ب)

الوثيقة الثانية

 مشترى بيت حمد وفوزان ابني مانع لصالح أولاد محمد بن سليمان العتيقي

النص الأول:

"بسم الله الرحمن الرحيم

أقول وأنا الفقير إلى الله تعالى عبده زيد بن فراج بن ناصر بأني بعت على ناصر بن حمد بن صالح  موضع البيت المسمى ببيت حمد بن مانع وأخيه فوزان المعروف في محروسة حرمه بثمن معلوم قدره اثنين وعشرين ريال فرانسه يحده جنوباً بيت بن حمود وشرقاً السكة وقبلة بيت بن دخان وشمالاً البيت المسمى ببيت آل عليان بما يستحقه إلا ما وردت به البينة المرضية أنه جارٍ في حياة مالكيه حمد المذكور وأخيه وأنا كافلٌ لناصر المذكور ما عليه من تبعة والثمن بلغني بكماله. شهد على ذلك إبراهيم بن عقيل العسكر وصالح بن عبدالله بن عثمان بن صالح وكتبه على نفسه زيد بن فراج وصلى الله على محمد وآله وصحبه. في 3 ربيع 1 سنة 1257".

النص الثاني:

الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده لقد حضر عندي كاتب هذه الاحرف زيد بن فراج وأقر بما تضمنته هذه الوثيقة وأنها خطه بيده قد صدر منه. حضر على إقراره عثمان بن ناجم وأحمد بن عبدالله بن سليم. قال ذلك وكتبه عبدالعزيز بن عبدالجبار.

النص الثالث:

لقد حضر عندي ناصر بن إبراهيم بن لعبون وأقر بأن هذا المشترا (المشترى) بطن هذه الورقة ليس له فيه حقٌ ولا دعوا (دعوى) ولا طلبه بوجه من الوجوه. قال ذلك كاتبه عبدالعزيز بن عبدالجبار. وأقر عندي ناصر بن حمد بن صالح صاحب هذا المشترا (المشترى) بأن هذا المبيع المذكور لأولاد محمد بن سليمان العتيقي شهد بذلك وكتبه عبدالعزيز بن عبدالجبار.

الوصف: عقد بيع بيت وتصديق العقد من قبل قاضي البلد.

البائع: زيد بن فراج بن ناصر (اللعبون).

المشتري: ناصر بن حمد (بن إبراهيم) ابن صالح.[12]

المصدر: خزانتي الخاصة المتوارثة عن الآباء.

الموثق: النص الأول زيد بن فراج بن ناصر (اللعبون)، والثاني والثالث الشيخ عبدالعزيز بن عثمان ابن عبدالجبار.

الشهود: شهد على عقد البيع: إبراهيم بن عقيل العسكر وصالح بن عبدالله بن عثمان ابن صالح، وشهد على النص الثاني: عثمان ابن ناجم وأحمد بن عبدالله ابن سليم، وشهد على النص الثالث عبدالعزيز ابن عبدالجبار.

التاريخ: النص الأول 3 ربيع الأول 1257هـ (24 إبريل 1841م). النصان الثاني والثالث غير مؤرخين ولكنهما بالضرورة تابعان للنص الأول.

صاحب العقار الأصلي: حمد وفوزان ابنا مانع.[13]

عنوان العقار: بلد (حَرْمة) في سدير. 

الأختام: ختمين للشيخ عبدالعزيز ابن عبدالجبار قاضي سدير.[14]

التحليل: النصوص الواردة أعلاه تتعلق ببيع عقار في بلد (حَرْمة)، والعقار كما ورد في صفته يسمى بيت حمد بن مانع وأخيه فوزان، وقد استخدم الموثق زيد بن فراج هذا الوصف "المسمى" ببيت آخر شمالي المبيع يسمى بيت آل عليان، وهذه العبارة تفيد الشك في استقرار العقار في ملك المسمى عليه، ويستفاد ذلك من مفهوم المقابلة للبيوت الأخرى المجاورة وهي بيت ابن حمود، وبيت ابن دخان، فقد جاءت نسبة البيوت إليهم صريحة بما يفيد استقرارها في ملكهم وقت التوثيق وأنها قائمة، وأما العقار المبيع فوصفه: "موضع البيت المسمى ببيت حمد بن مانع وأخيه فوزان" يدل على أن البيت كان قائماً في السابق ثم تهدم، وشك البائع من استقرار ملكية العقار فيمن نُسب إليهم يستفاد أيضاً من الضمان الذي منحه للمشتري، أنه إذا وُجدت بينة مرضية أنه جارٍ في حياة مالكيه حمد وأخيه فإنه كافلٌ للمشتري ناصر ما عليه من تبعة، فالملّاك الأصليين لم يعودوا على قيد الحياة ولم يظهر من ورثتهم من طالب بالعقار حتى تاريخه. وأهل (حَرْمة) بدأوا في العودة إليها بعد النزوح في سنة 1233هــ بعد سقوط الدرعية، ومن هؤلاء العائدين فراج بن ناصر وأولاده كما مر بنا أعلاه، وذلك قبل زمن هذا النص بأربعة وعشرين عام، فمن المرجح أن زيداً وضع يده على العقار لمدة طويلة لم ينازعه فيها منازع سوى ما ورد من إقرار ناصر بن إبراهيم ابن لعبون أنه ليس له حق ولا دعوى ولا طلب في العقار، وَوُثق البيع وصدقه قاضي البلد بهذه الشروط، ثم أقر المشتري أن العقار المبيع ليس له، وإنما هو وكيلٌ عن أولاد محمد بن سليمان العتيقي، وهم نفس المشار إليهم أعلاه عبدالعزيز، وحمد، والشيخ إبراهيم.  

وفي الوثيقة فوائد أخرى منها: إثبات حدود العقار وجيرانه، ومنهم آل عليان الذين لم يرد ذكرهم في عِداد سكان (حَرْمة) القديمة،[15] ومنها جواز الشراء بالوكالة حيث إن ابن صالح اشترى للعتيقي، وأقره القاضي على تسجيل العقار باسم العتيقي، ومنها جواز الشراء لجماعة بدون التصريح بأسمائهم إذا اشتهروا عند أهل البلد، فإن أولاد محمد بن سليمان العتيقي كانوا يتاجرون شراكة بينهم واشتهروا بذلك، ومنها أسماء الشهود العسكر، والناجم، والصالح، والعبدالجبار، وهم من أهل (المجمعة) من عائلات عريقة بها. أما الشاهد ابن سُليَم فهو من أهل (حَرْمة) أصلاً الذين انتقلوا إلى (المجمعة)، كما يستفاد من إفادة قريبته شايعة بنت سليم في الوثيقة الأولى، ومسجد ابن سليم معروفٌ هناك حيث كان إمامه الشيخ سيف العتيقي، ويلاحظ أيضاً جمال خط الموثق زيد بن فراج، وفصاحة لغته، وثقافته الشرعية التي برزت في حيثيات التوثيق.

الوثيقة الثانية (59-أ)

الوثيقة الثانية (59-ب)

خاتمة

قصدنا في هذه الدراسة الموجزة توضيح بعض آثار النزوح الجماعي الذي حصل لسكان (حَرْمة) في سنة 1193هـ. وقد اتضح من خلال استعراض وثيقتي تملك هناك بعد تعاقب جيلين أو أكثر من الناس، وتغير الظروف السياسية في المنطقة عدة مرات، أن السكان شرعوا في محاولة استئناف حياتهم الطبيعية وتوفير السكن لعائلاتهم، ولكنهم اصطدموا أحياناً بعقارات فارغة أو متهدمة ليس من الواضح ما إذا كانت على يد مالكها الأصلي أو أنه قد تم التصرف بها. وفي جميع الأحوال فإن وجود عقارات فارغة أو متهدمة في الجوار ينطوي على مخاطر بيئية واجتماعية، فضلاً عن أنه يعوق حركة التعمير وتخطيط المدن بشكل يتناسب مع مقومات العمارة المتجددة، وفي هذه الأحوال يقوم ذوي الاهتمام واليسار من السكان بتصرفات وفق ما يهديهم إليها اجتهادهم، قد تصطدم مع حقوق أو مصالح آخرين، ولكن وجود مرجعية قضائية، أو عرفية، أو مشيخة مرعية الجناب في البلد، يكون صمام أمانٍ لحل أي مشكلات أو نزاعاتٍ تحصل من التصرفات العقارية أو التجارية.

وهذا ما لاحظناه في حالة العقارين المذكورين أعلاه من لجوء ذوي العلاقة إلى محكمين عقلاء، أو إلى قاضي البلد، وذلك لحل الإشكالات الناشئة عن تصرفاتهم، والمضي في تدبير المساكن الكريمة لأجيالهم الناشئة. وبرز في الوثائق أيضاً ارتفاع مستوى الثقافة لدى أهل (حَرْمة)، وتمكنهم من الكتابة بخط واضحٍ وجميل أو مقبول على أقل تقدير، وبلغة عربية فصيحة تتخللها لهجة سدير، ويتضح أيضاً التراكم المعرفي لأهل البلد في معالجة توثيقات العقارات المشكوك في ملكيتها؛ فالمسار الذي سلكه العنيزي في الوثيقة الأولى، وهو محاولة إثبات البينة عن طريق الشهود تمت الإشارة إليه في النص التالي بما يكفل تحمل البائع المسئولية إذا ظهرت البينة بجريان العقار في ملك غيره. وقد أثبتنا مواقع العقارات أعلاه بما يفيد في تتبع تاريخ العمارة في هذا البلد بما في ذلك الإشارة إلى محاليل ومواضع غير معروفة سابقاً. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

تنويه: نُشر أصل هذه الدراسة في مجلة: "الصلة"، العدد رقم 21، 1441، (أسرة آل التركي)، المملكة العربية السعودية. يتقدم المؤلف من هيئة تحرير مجلة الصلة بالشكر والتقدير على السماح بإعادة نشرها مع وثائق موقع العتيقي.    

                                            الكويت في رمضان 1441، إبريل 2020م


الهوامش:

[1] الحادثة مشهورة وموثقة في تواريخ نجد. يراجع على سبيل المثال تاريخ ابن لعبون، وتاريخ نجد لابن بشر (حوادث سنة 1193هـ).

[2] على سبيل المثال نجد أن فراج بن ناصر اللعبون وأولاده رجعوا إلى (حَرْمة) في سنة 1233هـ كما ذكر حمد بن محمد ابن لعبون في تاريخه. انظر طبعة دار المعارف، الطبعة الثانية 1408هــ، ص 110.

[3] محمد بن عمر الفاخري "تاريخ الفاخري" تحقيق عبدالله بن يوسف الشبل، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. ص157. انظر ايضاً موقع العتيقي: وثيقة رقم (54) – عقد تضميم نخل "عثمان بن موسى" في بلد (حَرْمة) إلى منصور بن ناصر العتيقي.

[4] عبدالله بن محمد البسام "تحفة المشتاق في أخبار نجد والحجاز والعراق" تحقيق إبراهيم الخالدي، الكويت، 2000م، ص 289.

[5] عبدالله بن محمد البسام. مرجع سابق. ص 291-324.

[6] وثائق من خزانتي الخاصة.

[7] تاريخ ابن لعبون، مصدر سابق، ص 3.

[8] ساعة حوار- تاريخ مدن سدير. مجلس سدير بمحافظة المجمعة. 1439هــ. ص. 127-128. نقلاً عن مقالة باسم "حَرْمة بلد الآباء والأجداد". واطلعتُ على أكثر من وثيقة تفيد نزوح العنيزي وابن قضيب إلى (الزُبير).

[9] ورد ذكر السوق الأوسط في مخطط لمدينة (حَرْمة) القديمة من إخراج مكتب المهندس فهد المدلج، متنصفاً بيت العتيقي في الطريق المؤدي إلى موضع محلة العقدة التي فيها بيوت آل مدلج.

[10] وثيقة من خزانتي الخاصة. هذه البيانات وغيرها يمكن من خلالها توقيع بعض بيوت العتيقي في مكانها الصحيح في "مخطط حرمة القديمة" قبل الجلاء، حيث أنها تحدد بيت سليمان بن حمد العتيقي وبيت أخيه سيف، ومن المرجح أن بيت الوالد حمد بن محمد العتيقي الأصلي مساحته أكبر مما ذُكر حيث يُفترض أنه توزع بين أولاده سيف، وسليمان، وسالم، ومنصور، وعياف، وكلهم أعقبوا.

[11] مما يدل على أن إبراهيم بن محمد العتيقي طلب العلم في وقت مبكر قيد نسخ على مجموع محفوظ في مكتبة الإمام محمد بن سعود برقم (2230) مؤرخ في جمادى الثاني عام 1349هــ يقول كاتبه محمد بن حمد بن نصرالله أنه كتبه لأخيه في الله إبراهيم بن محمد العتيقي، والمجموع يشتمل على كتب نفيسة مثل قلائد المرجان في الناسخ والمنسوخ من القرآن لمرعي الكرمي، وزاد المستقنع في اختصار المقنع لموسى الحجاوي. وهذه من المؤهلات التي مكنته لاحقاً من استلام القضاء في بلدان سدير.

[12] أفاد باسم جد ناصر بن حمد: (إبراهيم)، الأخ محمد بن صالح الصالح، وقد ورد اسم المشتري ناصر بن حمد بن صالح أعلاه أنه صاحب بيت مال سدير فلا شك أنه كان شخصية مرموقة.

[13] من المرجح أن يكون مانع المذكور من آل مدلج أنفسهم حيث يتكرر هذا الاسم فيهم قديماً.

[14] الشيخ عبدالعزيز بن عثمان ابن عبدالجبار، عالم جليل وعلم مشهور من أعلام المجمعة وسدير، توفي في 14 شوال سنة 1273هــ، انظر ترجمته عند عبدالله بن عبدالرحمن البسام "علماء نجد في ثمانية قرون"، الطبعة الثانية 1419هـ، الجزء الثالث، ج2، ص 488.

[15] راجع الهامش رقم 8.

Loading