نص الرسالة:
"
بسم الله، من سيف بن عبدالله بن سيف العتيقي إلى جناب غدوة (قدوة) الأنجاب الأخ عبدالرحمن بن عبدالله بن سيف.
وبعد يا أخي أرسلنا كم خط ولا جانا ردهن عسى المانع خير، والواصل إليك بصحبة النوخذ (النوخذه) خلفيه (خليفه) بن عمران أربع ربطات مرود جبر أسود، والواصل في بغلة سيد امحمد (محمد) ربطة دوني الربطة بمايت (مائة) ربية.
ويا أخي فضل من جنابك لين انشاء (إن شاء) الله صلن (وصلن) بالسلا (بالسلامة) ترسلهن على إيد عبدالعزيز بن منصور في سوق الشيوخ وأنت برئ، والسلام"
(ما بين قوسين توضيح لعبارة ما قبله)

الموضوع: مكاتبة تجارية.
المرسل: سيف بن عبدالله بن سيف العتيقي .
المرسل إليه: عبد الرحمن بن عبد الله بن سيف العتيقي.
المصدر: مكتبة الموسوعة الفقهية بالكويت. مخطوط رقم خ 991. والرسالة في الورقة الأولى منه.
التاريخ
أصل الرسالة غير مورخ ولكن في آخر المخطوط قيد باسم عبد الرحمن بن عبد الله بن سيف العتيقي مؤرخ في 8 ربيع الثاني 1235 هجرية الموافق 24 يناير سنة 1820م وهو إثبات كتابته لدعاء ختم القرآن الذي جمعه. والرسالة منقولة على غلاف هذا المخطوط والنقل لا يكون إلا بدواعي الحفظ من الضياع أو التلف مما يعني أن الورقة الأصلية قديمة، وهذا دالٌ على أن تاريخ الرسالة سابق لهذا التاريخ.
نوع الوثيقة
الرسالة منقولة من أصل سابق؛ لأنها بخط المرسل إليه عبد الرحمن بن عبد الله بن سيف العتيقي، حيث أعاد استنساخها لنفسه.
المستخلصات والفوائد
1- لم يغفل المرسل بصدر الرسالة عن مخاطبة أخيه الشيخ عبد الرحمن بن سيف بالنداء اللائق بأهل الفضل؛ فقال "
إلى جناب قدوة الأنجاب"
والنجيب هو الكريم من الناس.
2- والرسالة مكتوبة على الغالب من (الهند) التي هي المصدر الرئيس لاستيراد البضائع المشار إليها في الرسالة؛ من أقمشة يصنع منها ملابس نسائية. وفي نص الرسالة ذكرٌ لنوعين من الأقمشة الأول "
مرود جبر أسود"
. المرود: هو قماش يستخدم لصناعة العباءات وأغطية الرأس النسائية، وجبر تعني السميك. الثاني "
مرود دوني"
. بمعنى أقل في السماكة.
وعيّنت الرسالة وحدة البضاعة وهي "
الربطة"
، وتحتوي على كرتونة يلف عليها القماش عدة طبقات ويربط بعد استيفاء عدد من اللفات يعطي الربطة طولها الذي يمكن أن يقص منه لاحقا حسب الطلب. والعملة المستخدمة هي "
الربية الهندية"
وسعر الربطة المتفق عليه للبيع مائة ربية وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت يدل على أن الربطة من الحجم الكبير ذي النوعية الجيدة. ويبدو واضحاً من التعليمات أن الإخوة "
سيف وعبد الرحمن"
شركاء في التجارة وأنهما من تجار الجملة.
كما يتضح أن البضاعة موجهة إلى بلد (سوق الشيوخ) في جنوب العراق قرب الناصرية. وكان سوق الشيوخ مركزاً تجارياً هاماً بين تجار الكويت ونجد والعراق وقد استوطنه عدد غير قليل من الأسر النجدية والكويتية.
3- توضح الوثيقة وكيل العتيقي التجاري في سوق الشيوخ، وهو عبد العزيز بن منصور (بن سليمان) العتيقي وهو من اقارب سيف وعبد الرحمن الذي كان على ما يبدو مستقرا في سوق الشيوخ فترة من الوقت.
ويستفاد من الرسالة أن المرسل سيف كان وكيلاً لهم في الهند فاكتمل الحضور التجاري لهذا الفرع من الأسرة على طول الطريق التجاري. وعبد العزيز بن منصور شخص معروف بمصدر آخر؛ فقد كان شاهدا على توكيل تجاري في بلد المجمعة في سنة 1255 هجرية كما في إحدى وثائق أسرة العتيقي.

4- الوثيقة شاهد نادر في وقته على التعاملات التجارية بين الهند والكويت وسوق الشيوخ عن طريق سفن النقل التجاري البحري، وقد سجل المرسل السفن الكويتية التي شحنت فيها البضائع. فالأولى (سفينة ابن عمران) وهي سفينة شراعية لم يحدد نوعها للنوخذة خليفة بن عمران، وهذا أول نص يرد فيه اسم هذا النوخذه فيما علمناه.[1]
والثانية هي بغلة للسيد محمد. والبغلة من أكبر السفن الشراعية التجارية التي استخدمها الكويتيون للنقل في أسفارهم البعيدة، كما استخدموا أنواعاً أخرى كالبقارة والبوم لكن البغلة أكبرها حمولة وحجماً، وهي: سفينة ذات شراعين مقدمتها ناتئة وآخرها مربع وتكون منقوشة بنقوش، يبلغ طولها 120 قدما تقريباً، وتتراوح حمولتها مابين 100 إلى 500 طن.
والتاريخ القديم "
لبغلة السيد محمد"
لا يساعدنا على تعيين اسمها على وجه اليقين، لكننا على الأقل يمكن أن نستند إلى ما ذكر القناعي عن بغلة السيد محمد[2] ونرجح من خلال حساب الأجيال أن هذه السفينة تعود إلى السيد محمد رفيع أحد أسلاف أسرة معرفي التجارية.[3]
وذكر عدد من المؤرخين أن تجارة الكويت ازدهرت في زمن الحاكم الثاني الشيخ عبد الله بن صباح وابنه جابر، ووصلت إلى موانئ الهند وشرق أفريقيا. ووثيقتنا هذه من نوادر الوثائق الأهلية التي تناولت جانباً من هذه التجارة ورصدت نوع الشراكة بذلك الزمان وأنواع البضاعة وتنقلاتها وأنواع السفن وأصحابها والمصب النهائي للبضاعة ودور تجار الكويت في ذلك؛ حيث تخصص الكويتيون في الاستيراد وإعادة التصدير إلى بلدان مختلفة منها العراق والشام ونجد وغيرها، وحققوا مركزية تجارية مزدهرة.
وكتبه:
أ.د. عماد محمد العتيقي
ذو القعدة 1430 الموافق نوفمبر 2009
ملاحظة: تم تحديث المقالة في 7 يوليو 2013.
الهوامش:
[1] لم يرد ذكر النوخذا خليفة ابن عمران في أي من المصادر التاريخية. وبتتبع مظان أهل السفر البحري في تلك الحقبة القديمة نرجح أنه خليفة بن عمران الغنيم الغانم حيث أن هذه الأسرة اشتهرت بارتباطها بالتجارة البحرية من خلال نقعة الغنيم الشهيرة في الكويت على الساحل وبعمارة عمران الغنيم مقابل البحر. وقد أفاد السيد غانم يوسف الشاهين الغانم أن فرع الغنيم هو من أوائل فروع أسرة الغانم استيطاناً للكويت.
[2] يوسف بن عيسى القناعي"
صفحات من تاريخ الكويت "
1946. والمقصود بغلة السيد محمد رفيع الشهير باسم معرفي
[3] C.R.L. Carter “Merchant Families of Kuwait” Scorpion Books, 1984