مقدمة
تشتمل أراضي مقاطعة سدير النجدية على واحاتٍ زراعية خصبة، تمر بها أودية وأنهارٌ موسمية تفيض بالماء الذي يروي مزارعها بواسطة قنواتٍ ونظمٍ للري استحدثها السكان من قديم الزمان. وشكلت مزارع تلك البلاد ثروة من النخيل ووغيره من المزروعات يستثمرها أهل البلاد ويجنون منها الربح الوفير عندما يتم بيع التمور والمحاصيل داخلياً وخارجياً، ولكنها تُستخدم أيضاً كسلاح اقتصادي وتكون هدفاً مفضلاً أيام الغارات والحروب، وخاصةً إذا طالت مُدة الحرب واحتاج أفراد القُوى المهاجمة إلى الطعام، أو لتخويف أهل البلاد وإضعاف شوكتهم. تحكي هذه الوثيقة حالةً من حالات استخدام الثروة الزراعية كسلاحٍ اقتصادي في حربٍ وحصارٍ طال بلد المجمعة في زمن الدولة السعودية الثانية، وكيف تم استثناء بعض الأهالي ومزارعهم من التدمير. وهي بذلك نصٌ نادر يؤرخ لهذه الحرب ويوضح جوانب مهمة من أحداثها.
النص
"
بسم الله الرحمن الرحيممن عبد الله بن فيصل إلى من يراه من العيال والخدام، السلام وبعد، جميع الأشقاص من النخيل الذي في المجمعة تخص عيال محمد بن منصور وما أرثه أخوه الخميسة والسفيلي وسهم في الكلبيه والذي لهم في الجريف ثلاثين نخلة، الجميع لا يعارض بقطع ولا شحم، ولا بدمار حنا ممضينه لهم يكون معلوم، والسلام 11 شوال 1299
"
.

بيانات الوثيقة
الموضوع: مرسوم من الأمير عبد الله الفيصل آل سعود بمنع التعرض لعدد من مزارع النخيل في بلد المجمعة.
المُنشئ: الإمام عبد الله بن فيصل بن تركي آل سعود.
المُخاطَب: قادة وأفراد جيشهِ المحاصرِ للمجمعة.
صاحب المصلحة: أولاد محمد ومنصور ابنا عبد الله بن منصور العتيقي
التاريخ: 11 شوال سنة 1299 (25 أغسطس سنة 1882م).
الكاتب: غير محدد.
المصدر: السيد صالح عبد الله محمد الصالح العتيقي والأستاذه سعاد عبد الله العتيقي.
السياق العام
تُوفي أمير نجد الإمام فيصل بن تركي آل سعود في رجب سنة 1282 وتولى بعده ابنه الإمام عبد الله الفيصل حتى محرم سنة 1288 عندما قام عليه أخوه سعود، وظل عبدالله الفيصل يقاوم أخاه حتى انهزم عن الرياض في محرم 1290هـ، فتولاها سعود، الذي توفي في 18 ذي الحجة سنة 1291 (25 يناير 1875م). وفي السنة اللتي تليها استنفر عبدالله بن فيصل أمراء نجد وقبيلة عتيبة لاسترداد الرياض من أولاد سعود ، وحصلت معارك وفِتن في نَجد، حتى سار عبدالله ومعه عتيبة وغيرهم إلى الرياض وخرج منها أولاد سعود سنة 1293هـ. ثم ركب عبدالله إلى القصيم ووصل إلى عنيزة، وركب محمد بن عبدالله بن رشيد أمير حائل إلى بريدة، ثم اتفقوا أن يعود كل واحدٍ منهم إلى بلده حقناً للدماء. وظل أهل المجمعة على ولائهم لعبد الله الفيصل حتى سنة 1299هـ عندما حدث خلافٌ بينهم، تسبب في هجوم عبدالله على المجمعة وحصارها مدة من الزمن وقطع بعض نخيلها.[1]
السياق الخاص
المرسوم يتعلق بأملاك في المجمعة تخص ذرية محمد بن عبدالله بن منصور العتيقي وذرية أخيه منصور، يقال لهم مجتمعين:آل منصور. وكان هؤلاء قد استثمروا على مر السنين بشراء عدد من مزارع النخيل تم تسمية بعضها في النص وهي: الخميسة والسفيلي وسهم في الكلبيه وثلاثين نخلة في الجريف. وتحفل الوثائق المتخلفة عن هذه السلالة بإشاراتٍ إلى أملاكهم هذه وغيرها، ويستفاد منها أن محمد بن عبدالله بن منصور كان يتملك العقارات بالمشاركة مع أخيه منصور، وأن عقاراتهما كانت بالمشاركة بينهما، ورثها عنهما صالح بن منصور وابن عمه منصور ابن محمد بعد وفاة أبيه محمد سنة 1281(تبدأ 11 يونيو 1864م)، وكان بعض هذه العقارات ُيعهد به إلى مُغارسٍ لتنميته ورعايته. تقع هذه العقارات في منطقة الوديان الخصبة شمال المجمعة مثل وادي الكلب ووادي المشقر[2] [3]. ويلاحظ أن لهذا البيت عقاراتٌ أخرى في بلدة حرمة[4] المجاورة إلى المجمعة لم يتطرق إليها هذا النص.
الفوائد
1- تاريخ حصار المجمعة: كان التاريخ المسجل لهذا الحصار بشكل مجمل هو سنة 1299 كما ذكرنا أعلاه، وكما ذكر البسام في تاريخه.[5] وهذه الوثيقة توضح بالتحديد تاريخ الحصار، وأنه كان في فصل الصيف. والمرسوم الذي أصدره عبدالله بعدم التعرض للنخيل يُستفاد منه أن الجيش المهاجم قد بدأ بالفعل في التعرض للنخيل وقطع الثمار، فتوجه آل منصور إلى الأمير واستصدروا منه هذا الأمر للحفاظ على أملاكهم من الأذى، لا سيما وأن معظم النخيل يجمل بالثمر في شهري يوليو وأغسطس ويكون صالحاً للجني وكبس التمر، فنهاهم عن التعرض للنخل بأي صورة سواء بالقطع أو الشحم أو الدمار، حتى لا يتأذى النخل بصورةٍ لا يمكن الاستفادة منه مستقبلاً.
2- وقائع الحرب: أشار البسام إلى حدوث اختلافٍ بين أهل المجمعة وعبدالله الفيصل، ولم يوضح ماهيته، والذي على إثره استدعى أمير المجمعة وهو إبراهيم بن سليمان العسكر، فلما حضر عنده حبسه، فغضب أهل المجمعة وأظهروا العصيان، وأمروا عليهم عبدالرحمن بن سليمان العسكر، فغزاهم عبدالله ومعه عربان عتيبة، فنزلوا على المجمعة وأفسدوا الثمار والزروع وقطعوا جملةً من نخيلها، وحصل بينهم عدة وقعات وقع فيها قتلى من الفريقين، فكاتب أهل المجمعة محمد بن عبدالله ابن رشيد أمير حائل يطلبون النُصرة، فأقبل عليهم بجنوده ووصل إلى الزلفي، فلما وصل الخبر إلى عبدالله ارتحل عنهم بعربانه.[6]
3- سبب الحرب: وقفنا على سبب الحرب الذي لم يوضح في المصادر، وذلك من مؤرخٍ من أهل البلد قريبِ العهد بذلك الزمن. ولما كان هذا المصدر غير معروفٍ من قبل ننشر كلامه كما ورد، حيث إنه ذكر تفاصيل غير معروفة من قبل، قال العتيقي في تاريخه:
"
وهذه الوقعة سببها أن جماعة من البدو (قافلة من بني قحطان) جاؤوا إلى المجمعة يكتالون أي يشترون تمراً وحنطة، فكتب عبدالله الفيصل إلى أمير المجمعة وهو إبراهيم العسكر يطلب منه أن يقبض عليهم فامتنع عن ذلك بحجة أن هؤلاء ضيوفاً. ولكن الأمير أوعز إليهم بالذهاب عن البلد بعد قضاء حاجتهم من الشراء. وعلى إثر ذلك أرسل عبدالله الفيصل وطلب من إبراهيم العسكر الحضور إلى الرياض وسَجنه، وجهز جيشاً من أهل الرياض والبدو وأعلن الحرب على المجمعة وحاصرها مدة أربعين يوماً"
.[7]
فهذا سبب الخلاف وهو مخالفة أمر عبدالله باعتقال قافلة قحطان، مما تسبب باعتقال أميرهم إبراهيم العسكر. وفي النص فائدة نادرةٌ وهي أهمية بلد المجمعة في زراعة الحبوب وخاصةً القمح بالنسبة إلى الأمن الغذائي لأهل نجد، وهي بذلك توازي بلدان الخرج والقصيم.
4-وقائع الحرب من الرواية المحلية: يستأنف العتيقي وصف أحداث الحرب كما يلي:
"
وكان للمجمعة سورٌ فاعتصم الأهلون داخله، وكان المهاجمون كلما شنوا على المجمعة هجوماً رده أهل المجمعة. وقد قطع المهاجمون بعض النخيل ليجبروا أهلها على التسليم ولكن هيهات. وأخيراً أرسل لهم عبدالله الفيصل ليصالحهم فلم يقبلوا وأرسلوا له خمس رصاصاتٍ من النوع الحديث وقالوا له: هذا هو الصلح الذي عندنا، فارتد عنهم بعد هذا الحصار على أن يعود ويعاود الكر عليهم"
.[8]
وهنا ذكر بعض التفاصيل المهمة وهي دور سور المجمعة في عملية الدفاع، ومدة الحصار وهي أربعون يوماً، وأضاف استخدام أهل المجمعة البنادق كسلاح فعال في المعركة وهي البنادق ذات البارود والفتيل، وكذلك عدد من البنادق الحديثة من نوع مارتيني Martini بالإضافة إلى الأسلحة التقليدية.[9] ويبدو أن أهل المجمعة تشجعوا بعد وصول خبر ابن رشيد ففعلوا مع عبدالله ما فعلوا. انظر شكل السور والقلعة (المرقب) كما رسمها رونكايير سنة 1912م.[10]

سور المجمعة وقلعتها كما رسمها الرحالة رونكايير سنة 1912م.
5-تعامل الجيش مع النخل: يتضح من وصف المؤرخين ومن وثيقتنا أنواع الأذى الذي تعرضت له النخيل والزروع مثل القطع والإتلاف والشحم (قطع اللُب). وقد وقعنا على وثيقةٍ أخرى تؤكد ما ورد من قبل، وخاصةً قطع عذوق النخل بغرض أكل الرُطب الذي كان مستوياً في ذلك الوقت كما تقدم، وعلى وجه الخصوص نخل "
الكلبية"
الواقع على ضفاف وادي الكلب الخَصيب:
"
شهد عندي عبدالعزيز بن محمد بن عطية بأني كديت الكلبية أربع سنين عقار آل منصور، ثلاث سنين صَرمتُه وسنة الحرب أكلوه عتيبة"
.
ويستأنف النص بذكر شهادة عبدالمحسن بن حمد أنه كد الكلبية ثلاث سنين عقب ابن عطية، وهذا النص مؤرخ في سنة 1305 فهو بلا شك يشير إلى حرب المجمعة وما وقع فيها من تعدٍ من الغُزاة من عتيبة على النخل. ولعل ذلك هو السبب الذي اضطر آل منصور إلى الاحتماء بالأمير عبدالله الفيصل، حيث هو الحاكم الاصلي رغم الخلاف الذي حصل، الأمر الذي أدى إلى صدور هذا المرسوم لهم بعدم التعدي. وذلك يدل على معرفةٍ قديمةٍ وحظوةٍ كانت للعتيقي عنده، لا سيما وأن أحد أعيانهم وهو الشيخ إبراهيم بن محمد العتيقي كان قاضيه على سائر بلدان سدير.[11]
الهوامش:
[1] إبراهيم بن صالح بن عيسى "
تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد"
، ط1، 1386/1966م.
[2] عبدالكريم بن حمد بن إبراهيم الحقيل "
المجمعة"
ط2، الرياض، 1414/1993م، ص 25، 28-30.
[3] فهد بن إبراهيم العسكر "
المجمعة"
، الرئاسة العامة لرعاية الشباب، الرياض، 1421/2000م، ص56.
[4] مثل البديع، وسهم في الحيالة في فيد الفايز.
[5] عبدالله بن محمد البسام "
تحفة المشتاق في أخبار نجد والحجاز والعراق"
، تحقيق إبراهيم الخالدي، الكويت، 200م، ص 362-63.
[6] المرجع السابق.
[7] مذكرات الشيخ عبدالعزيز بن محمد العتيقي (1300-1388)، مخطوط.
[8] المصدر السابق.
[9] المصدر السابق. وبذلك أقدم ظهور لهذا النوع من البنادق في نَجد في حرب المجمعة. ويذكر أن أقدم ذكر لها في الخليج كان قبل ذلك بعام أي في 1881م في الكويت وبوشهر. انظر: رحيم كاظم محمد الهاشمي "
تجارة الأسلحة في الخليج العربي 1881-1914"
، دار علاء الدين، دمشق، 2000م. ص 10. وهذا النوع من البنادق استُخدم لأول مرة سنة 1871م.
[10]Barclay Raunkiaer "
Through Wahhabiland on Camelback"
, translated by Gerald de Gaury, Routledge & Kegan, London, 1969, p. 113.
[11] بدأ قضاء الشيخ إبراهيم العتيقي سنة 1285هـ بأمرٍ من عبدالله الفيصل بعد وفاة سلفه الشيخ عثمان بن علي بن عيسى، واستمر في القضاء بعد ذلك بإقرار الحكام الذين تولوا لاحقاً، وأحكامه القضائية في سائر نواحي سدير في فتراتٍ مختلفة تؤكد ذلك، واستمر حتى سنة وفاته في 7 رجب سنة 1315 (1 ديسمبر 1897م). انظر: أعلام العتيقي في وثائق الغاط، موقع العتيقي https://alateeqi.com/arabic/history_desc.php?id=7. وانظر: عماد محمد العتيقي "
وثائق العتيقي"
، جداول للنشر 2022، ص 217-224، وأيضاً: أعلام العتيقي في وثائق سدير، موقع العتيقي.