وجه الوثيقة:

"13000 ربيه، 317 ليره. فقط ثلاثة عشر ألف ربيه، وثلاثمايه وسبعتعشر ليره مجيديه لا غيرها.

جناب الأكرم الأفخم الولد أحمد ابن المرحوم محمد صالح الحميظي المحترم دام بقاه. بعده ادفع إلى سالم ابن عبدالله العتيقي موجب المحرَّر أعلاه ثلاثة عشر ألف ربيه وثلاثمايه وسبعتعشر ليره مجيديه؛ يجيبها لنا لأجل ناخذها معنا للبصرة، وبعد الدفع خذ الورقة مظهرة بالوصول وقيّدها في جاري حسابنا والسلام. 18 محرم 1333هـ مبارك الصباح"

ظهر الوثيقة: "وصل ما في وجه الورقة بالتمام 19 محرم 1333هـ سالم العبدالله العتيقي"

الموضوع: كتاب من حاكم الكويت الشيخ مبارك يتضمن أمر المسؤول على مالية الدولة أحمد الحميضي بالدفع ليد سالم العتيقي مبلغاً محدداً، وأمر بتسجيل المبلغ ضمن قيود الحسابات.

الآمر بالدفع والتسجيل: الشيخ مبارك الصباح.

المأمور بالدفع والتسجيل: أحمد بن محمد صالح الحميضي.

المأمور له بالدفع: سالم بن الملا عبدالله بن حمد العبدالمحسن العتيقي.

المصدر: خزانة آل أحمد الحميضي والنقل بواسطة كتاب "رحلة مع قافلة الحياة" لبدر خالد البدر[1]

التاريخ: اشتملت الوثيقة على تاريخين: تاريخ الأمر بالدفع وهو يوم الأحد 18/1/1333هـ الموافق 6/12/1914م. وتاريخ استلام المبلغ المدفوع هو يوم الاثنين 19/1/1333هـ الموافق 7/12/1914م.

كاتب الوثيقة: الخطاب منسوخ بيد سكرتير حكومة الشيخ مبارك "الملا صالح" وهو آخر سكرتارية حكومة الشيخ مبارك الكبير وجميع المخاطبات المتأخرة بخطه الحسن.[2]

الأختام: اشتملت الوثيقة على ختمين وجهاً وظهراً، فالأول: ختم الشيخ مبارك الصباح على خطابه، والثاني: ختم سالم العتيقي على وصل استلام المبلغ المحدد.

المستفاد من الوثيقة:

1-نموذجٌ مهم على رُقيِّ نظام الإدارة المالية في حكومة الشيخ مبارك الكبير، وإن هذا التنظيم ينسجم مع عناصر دولة الحضارة ومقومات السيادة المدنية التي لا تتقبَّل الفوضى ولا تحتملها، ومن أبرز تلك المقومات الواردة بالوثيقة: الهيكلة التنظيمية للحكومة، وكيفية أسلوب المخاطبات والرسائل، والعناية بالتوثيق المالي.

2-عناية الأوائل بتحرير الأوراق المالية، وأساليب توثيقها في ذلك الوقت الذي لم يخلُ من ثقافة محاسبية وحذاقة دفترية؛ وذلك من خلال:

أ- حيث استخدم في صدارة "كتاب الصرف" أسلوب الدلالة بالأرقام على المبلغ المعدود ثم أعقب بيانه بالكتابة الحرفية للمبلغ المطلوب، ليأمن الكاتب التصحيف والتحريف.

ب- ثم قفل الرقم المطلوب بقوله: "لا غيرها" ليمنع الإضافة والزيادة عليه.

ج- ثم أعاد عليه النظر إقراءاً بقوله فيما بعد: "موجب المحرر أعلاه" بمؤكدات تكفل السلامة من الخطأ في تعيين المبلغ.

د- ثم الختم "لكتاب الصرف" بأمره بتقييد المبلغ وتسجيله في جاري الحساب "خذ الورقة مظهرة بالوصول وقيّدها في جاري حسابنا"، وجاري الحساب: السجل الحاوي لجميع متعلقات الذمة من الالتزامات والإلزامات في الحقوق المالية.

هـ- وفي قوله: "وبعد الدفع خذ الورقة.." لفتةٌ تعاملية أديبة، وهي ألا يعطّل المدفوع له بتسجيل المبلغ في السجلات وإنما ليبادر أمين الخزينة بالدفع مباشرة بلا تأخير بعد استلامه وصل القبض من المدفوع له.

3- نظراً لضخامة المبلغ المصروف وتنوّع العملة المصروفة: سلك الشيخ مبارك أسلوب التعليل في كتابه؛ فقال: "لأجل ناخذها معنا للبصرة" ليقطع التساؤل المتوقع من أمين خزينته أحمد الحميضي.[3]

4- هذه الوثيقة شاهدةٌ على النشاط الذي تحلَّى به "حاكم الكويت السَّابع" في آخر حياته، وفي ظل التسارع الدولي المحموم إلى النفوذ والسيطرة على المنطقة: كان الشيخ مبارك الصباح شديد العزم على ترسية حكمه وتقوية سلطانه وتدعيم أركان دولته رغم ما تعانيه صحته من اعتلال وضعف؛[4] فإن قبل تاريخ وثيقتنا هذه بفترة قليلة كانت الدول العظمى "وهي بريطانيا والدولة العثمانية" تحاول الوصول إلى اتفاق بشأن تحديد مدى استقلال الكويت بشكل يرضي الشيخ مبارك الذي كان يطالب باستقلال مطلق. وفي 6 مايو 1913 تم توقيع الاتفاقية التي تحدد وضع الكويت السياسي بين البريطانيين والعثمانيين بالأحرف الأولى والتي لم تعتمد من الحكومات المعنية أو من الشيخ مبارك نفسه.[5] ومع نشوب الحرب العالمية الأولى نزل البريطانيون الفاو في 6 نوفمبر 1914 ثم سيطروا على البصرة في 20 نوفمبر. وهنا تغيرت كفة القوى من العثمانيين إلى البريطانيين وقد كان على الشيخ مبارك التعامل استراتيجيا مع هذه المستجدات الخطيرة حيث أرسل حامية من 1500 جندي كويتي لحماية آبار النفط التابعة للشيخ خزعل في المحمرة من خطر محتمل من الفرس.[6]

وقد توفي الشيخ مبارك في مساء 28 نوفمبر 1915.

5- عيَّنتْ الوثيقة جهة الرحلة التي سيسافر إليها حاكم الكويت، وأن الشيخ سيخرج من الكويت قاصداً "مدينة البصرة" ولم تعيِّن أمدها الجغرافي؛ والظاهر أنَّ البصرة كانت أول خط سير الرحلة الطويلة التي ستمتد لتبلغ "المحمَّرة"[7] في زيارة للشيخ خزعل بن مرداو في ربيع الثاني من السنة نفسها (4/1333هـ).[8]

6- الوثيقة تشرح علاقة المودة بين الشيخ مبارك وأمينه على مالية الحكومة السيد أحمد بن محمد الحميضي رحمه الله، حيث خاطبه بأجمل تعبير وببالغ التقدير: "جناب الأكرم الأفخم الولد أحمد ابن المرحوم محمد صالح الحميظي المحترم دام بقاه"، وهكذا كان الشيخ يكرم رجاله وخاصته.

7- وفيها أن سالم العبدالله العتيقي معدودٌ من أهل الأمانة والثقة عند الشيخ مبارك الصباح؛ بتكليفه قابضاً لميزانية السفر وجلبها وكان على قدر عالٍ من المسؤولية. كما دلت الوثيقة على أن سالماً العتيقي يعتبر ضمن موظفي المالية في حكومة الشيخ مبارك وهي من أوائل وظائفه في حكومة الكويت وعلى حياة والده الملا عبدالله؛[9] كما أن إدارة المال وحفظه ليس غريباً على هذا البيت فإن لأبيه الملا عبدالله قيصرية معروفة في قلب سوق الكويت[10] وابنه سالم كان ممارساً التجارة أيضا.

8- لقد ورد في الوثيقة ذكر مجموعة من العملات المستخدمة في ذلك العصر . أما الربية فهي الربية الهندية وهي من أشهر العملات تداولا بالكويت حتى صدور العملة الوطنية (الدينار). والليرة المجيدية هي إحدى العملات العثمانية الذهبية المتأخرة المنسوبة إلى السلطان عبد المجيد حيث هو مؤسس هذه العملة سواء كان ضربها في وقته من 1844 أو بعده.[11] وكانت الليرة تعادَل بقيمة 15 ربية لكل ليرة.[12]

وكتبه

أ.د عماد بن محمد العتيقي

20 جمادى الآخرة 1431-3 يونيو 2010م


الهوامش:

[1] ينظر كتاب"رحلة مع قافلة الحياة" الجزء الأول ص353 ، تأليف بدر خالد البدر. ط1 1984م.

[2] وفي المقابل فأغلب المراسلات القديمة للشيخ مبارك ما قبل عام 1906م بقلم المرحوم الملا عبدالله العتيقي وخطه مميز معروف. وقد كان سكرتير الحكومة الأول في عهد الشيخ مبارك الكبير.

[3] عمل المرحوم أحمد الحميضي "أميناً للخزينة" وأشار لذلك المرحوم الشيخ عبدالله الجابر الصباح في مقابلة. ينظر كتاب رجال في تاريخ الكويت، تأليف يوسف الشهاب. 1/ 208.

[4]  ينظر كتاب "تاريخ الكويت السياسي" (2/255) لحسين خزعل.

[5] ب. ج. سلوت "مبارك الصباح مؤسس الكويت الحديثة" مركز البحوث والدراسات الكويتية 2008.

[6] ب. ج. سلوت. المصدر السابق.

[7] المحمرة: هي عاصمة بني كعب تقع شرق البصرة في منطقة الاحواز حيث كانت مركز مشيخة عربية مستقلة.

[8] حسين خزعل.المصدر السابق (2/257-258)

[9] وآخر منصب تقلده المرحوم سالم العتيقي كان في حكومة الشيخ أحمد الجابر الصباح كـ"مدير لمخازن الجمرك". ومن الجدير بالذكر أن علاقة الثقة استمرت بين أبناء أسرة العتيقي وسادة بيت الحكم من"آل صُباح" الكرام، وما زالوا قائمين بحمل المسؤولية في خدمة هذا الوطن.

[10] "قيصرية العتيقي" نسبةً إلى التاجر الملا عبدالله العتيقي: وموقعها قريب من محلة "سبيل ابن دعيج" وتقابلها قيصرية فارس بن فريح الوقيان رحمه الله. والقيصرية قديماً شبيهةٌ بالمجمع التجاري الذي يقوم مالكه بتأجير محلاته على التجار مقابل أجر معلوم.

[11] د.عادل محمد العبدالمغني "تاريخ العملة في الكويت" 1992 . ص 35.

[12] د. عادل محمد العبدالمغني. المصدر السابق. ص 35.

Loading