عدد الزوار:6000
رسائل سالم العتيقي في الطريق من بومباي إلى البحرين عام 1339(1921م)
مفهوم الوحدة الوطنية والجماعة عند الكويتيين قديما
تمهيد:
تهدف هذه المقالة إلى توثيق رسائل سالم بن عبدالله العتيقي التجارية والتي كتبها في الطريق من بومباي بالهند إلى البحرين في رحلة تجارية في جمادى الثانية 1339 (فبراير 1921م).وقد سجل سالم في رسائله عدداً من المشاهدات والملاحظات عن البضائع والأسعار والتجار الموجودين في الهند ومسقط والكويت والزبير. وتعامل أثناء ذلك مع عدد منهم مما يضفي على رسائله أهمية خاصة كونها وُثقت في رحلة واحدة. وتعطي هذه الرسائل أنموذجاً عن العلاقات التجارية للكويت مع الهند ونمط التجارة السائد والعلاقات البينية بين التجار المتعاملين في ذلك المجال. وفوق ذلك فهي تجسد نموذجاً قديماً لمفهوم الجماعة والوحدة الوطنية.
السياق العام:
حدثت هذه الرحلة في الأيام الأخيرة لحكم الشيخ سالم مبارك الصباح (ربيع الأول 1335- جمادى الثانية 1339)-(فبراير 1917- فبراير 1921م).وقد حفل عصر الشيخ سالم بالأحداث التي لها تأثير مباشر على التجارة. وأولها تخفيض الجمرك على البضائع الداخلة إلى 4% مما أدى إلى تنشيط حركة التجارة وتشجيع التجار على توسيع أعمالهم (1). ومنها نصب أسلاك البرق (التلغراف) الذي جعل الكويت على اتصال يومي ومباشر بالخارج (2). وفي الجانب السياسي تدهور العلاقات مع السلطان عبدالعزيز ابن سعود وتزايد نشاط الإخوان وهجومهم على الكويت كما حصل في معركة حمض عام 1338-1919م ومعركة الجهراء في محرم 1339(أكتوبر 1920م) (3). كذلك ضربت الحكومة الانجليزية حصاراً على دخول وتصدير البضائع البرية من الكويت بسبب الحرب مع الدولة العثمانية فأصاب السكان من ذلك ضيق شديد حتى تم رفع الحصار في 16 صفر 1337 (20 نوفمبر 1918م) (4)، فاستمرت الكويت في دورها الرائد كميناء تجاري للجزيرة العربية ومحطة لقوافلهم رغم التهديدات الخارجية حيث كانت الميناء الطبيعي لنجد(5).
السياق الخاص:
امتهن كثير من أفراد العتيقي التجارة وسجلت أوراقهم علاقة مطردة مع الهند. وقد امتدت تجارة العتيقي مبكراً إلى الهند ونجد والعراق. أول من اشتهر بالتجارة عبدالله بن سيف بن أحمد العتيقي وذلك في زمن الحاكم الثاني عبدالله بن صباح وولده جابر بن صباح. كان عبدالله وولده عبدالرحمن بن عبدالله بن سيف العتيقي يمتهنان التجارة و يديران نشاط أسرتهما من الكويت. و كان سيف بن عبدالله يدير فرع الشركة في الهند، والشيخ صالح بن سيف العتيقي يدير فرع بلد الزبير وعبدالعزيز بن منصور العتيقي يدير فرع الشركة في سوق الشيوخ والتي كانت هي مع الزبير من أهم مراكز تجارة أهل الكويت و نجد في العراق. وقد حفظت الوثائق المتخلفة عنهم طرفاً من هذه التجارة والبضائع التي كانوا يتاجرون بها مثل الأقمشة والمواد الغذائية.تم تغطية بعض ذلك في المقالات : وثيقة (15) و وثيقة (16) في موقع العتيقي وفيهما وصف الوكالات والشركات التجارية للعتيقي في النصف الأول من القرن الثالث عشر (التاسع عشر الميلادي) (6)،(7).
وبدأ الشيخ عبدالعزيز بن حمد بن سيف العتيقي في مزاولة نشاطه التجاري في زمن الشيخ جابر بن عبدالله بن صباح في زمن ازدهرت فيه تجارة الكويتيين مع الهند وشرق أفريقيا ثم إلى نجد والعراق. وكان معه قريبه وصهره الشيخ أحمد بن محمد بن سالم العتيقي الذي يتنقل بين الكويت ونجد. انتقل في تلك الفترة إلى الكويت حمد بن عبدالمحسن بن منصور العتيقي وأخوه سليمان، وبقي أخوهما الثالث علي بن عبدالمحسن في بلد المجمعة في سدير . فأقاما برعاية الشيخ عبدالعزيز بن حمد الذي يملك عدة مخازن ومتاجر في الكويت وتعلما منه التجارة. فأرسل حمد إلى الهند ليقوم باستيراد البضائع اللازمة لدكاكينه ومخازنه وبقي سليمان ليدير النشاط في الكويت، وعلي في المجمعة ليدير الفرع النجدي. وسرعان ما كون حمد بن عبدالمحسن لنفسه تجارة كبيرة واستقل بها بعد وفاة الشيخ عبدالعزيز بن حمد. كان لحمد بن عبدالمحسن ثلاثة أولاد يساعدونه وهم عبدالعزيز وعبدالله ومحمد وكان نشاطهم مركزاً في (قيصرية العتيقي) في منطقة المباركية التي تحتوي على عشرات الدكاكين.وقد عاد حمد بعد ذلك إلى الكويت وبقي ولده عبدالعزيز فترة في الهند ودخل في شراكات تجارية منها شراكة مع حمد بن عبدالمحسن الصالح (8).
في هذه البيئة النشطة نشأ سالم العتيقي وأخذ مقاليد التجارة عن والده عبدالله بن حمد العتيقي وأدارعدداً من المخازن والدكاكين في قيصرية العتيقي بسوق المباركية. ودخل بعض الوقت في شراكة مع قريبه الشيخ عبدالعزيز العتيقي وكانت لهما رحلات إلى الهند. وقد أثر الحصار الذي ضربته الحكومة الانجليزية على تصدير البضائع. فلما انتهت الحرب العالمية الأولى والحال في كساد خشي سالم وشريكه من نزول الأسعار بعد انتهاء الحصار والبيع بالخسارة الأمر الذي حدا بهم إلى تحميل بضائعهم على جمال وسافر بها عبدالعزيز العتيقي مع مرافقين له لبيعها في نجد وذلك في محرم 1337 (أكتوبر 1918م) (9).
توصيف الرسائل:
عُثر على هذه الرسائل في سجل واحد يحتوى على نسخة كربونية منها (10). وهي ست رسائل بملحقين اعتبرناهما وثيقتين مستقلتين فيكون المجموع ثمان وثائق نقوم بعرض كل منها باختصار ثم نستعرض البيانات والفوائد التي تحتوي عليها. وجميع الرسائل وثقت في شهر جمادى الثانيه 1339 (فبراير 1921م).
1 - إلى والده عبدالله الحمد العتيقي (11): ذكر في صدر الرسالة محل التوثيق وهو "مركب بن جورا". بعد التحية الواجبة وعبارات الاحترام اللائق يذكر أنه كتب سابقاً من بومباي ثم يبرر عدم توجهه إلى العراق بعدم تيسر المراكب وكثرة التكاليف والرسوم في البصرة بما يؤثر على مصلحة التجارة فيها. فيذكر نيته التوجه لقضاء شغله في أحد البنادر الثلاثة مسقط أو دبي أو البحرين. ولم يوضح طبيعة الشغل المزمع ولكنه انطلق من بومباي وتوقف في كراجي ثم نزل مسقط ولم يحصل على مطلوبه. وفي مسقط اشتدت عليه الحمي (السخونة) عندما كان في محل (السيد يوسف الزواوي) الذي لقي منه رعاية كريمة. ثم استقل المركب وتوجه إلى دبي ثم البحرين. ثم يعبر عن قلقه من عدم وصول مكاتيب من والده ويلح عليه في إرسال مكاتيب إلى بومباي مع مكاتيب (حسين بن عيسى). ويطلب منه تزويده باحتياجات شهر رمضان حتى يجهزها من عيش (أرز) وغيره من الحبوب. ويذكر أن البزار (الحب) ارتفعت أسعاره من قِبل العجم. ويضيف أنه أخذ خبراً عن (ابن مشعل) أنه باع بعض تمره في بومباي، ونزل بعضه الآخر في عدن وتوجه لبيع باقيه في بربرا وقيمته من 14-15 ربيه. ويذكر بضاعة عند (ابن صالح) و أنه أوصاه بشراء ذهب وإرساله.
2 - إلى والده عبدالله الحمد العتيقي: أُرسلت هذه الرسالة من مركب بن جورا قبيل النزول في البحرين. صدرها بالتحية اللائقة والدعاء ويخبره بالقدوم على البحرين. يدعو الله بالتوفيق في قضاء شغله ويطلب من والده الدعاء بالتوفيق.
3 - ملحق الرسالة السابقة: هنا يقترح على والده التوجه إلى الحج في الموسم القادم بمرافقة شملان (بن علي بن سيف) أو هلال (المطيري). ويقترح إليه اصطحاب (حسن الضبيب) لأخذ بضاعة وبيعها في مكة بمبلغ ألف ليرة من أجل تغطية مصاريف الرحلة.
4 - إلى العم حمد العبدالمحسن الصالح (12): يبدأ الخطاب بعبارات التحية والاحترام اللائق. ثم يذكر مكتوباً سابقاً أرسل من بومبي وفيه تقرير عن المبيعات. ويضيف أنه استقام في بومبي إلى 30 من الشهر الماضي (جمادى الأولى) وأنه لم يتيسر مركب إلى طرفهم (البصرة). ثم يذكر نية ناس من الجماعة (الكويتيين) السفر في مركب (الفالتوه) ونيته السفر معهم وذلك بعد أن ينتهي من أشغاله في البحرين ويعود إلى بومبى. يضيف أنه أخذ خبراً في كراجي بركوب (الأخ عبدالعزيز) مع جماعة في مركب (جولار) ويدعو لهم بالسلامه. ثم يذكر مشتروات: مفتاحين وإبريق وكاغد هي مطلب من المرسل إليه وأنه أرسلهم بواسطة (راضي بن جمعان) و(عبدالله .....) عند (محمد المطير) قيمة الجميع 16.3 ربيه. يستفسر عن وصول الفحم الذي أُرسل سابقاً ويطلب الإفادة بمكتوب عند حسين بن عيسى أو (العم صالح). ثم يبلغ السلام إلى الأخ عبدالله وإخوانه. ويخبر أنه واجه الأخ عبدالمحسن (الصالح) بصحة جيده في كراجي وقد تحسنت صحته عن الماضي، ويرفق مكتوباً من المذكور. ثم يرجو شراء ذهب بصافي قيمة الفحم وإرساله عن طريق العم صالح أو (داوود المرزوق البدر).
5 - إلى العم محمد بن حسين المطير (13): تبدأ الرسالة بعبارات التقدير والاحترام حسب المعتاد. ثم يشير إلى رسالة سابقة ذكر فيها ما لزم مما بينها من تعاملات. ويضيف أنه لم يقسم له التوجه إلى البصرة وأنه ينوي النزول في البحرين. يبلغه أنه أرسل مع راضي بن جمعان مطلوبه وهو ميز (طاولة) صغير على الشكل المطلوب وبداخله أغراض إلى العم حمد الصالح وست دستات كاغد ومفتاحين وإبريق، قيمة المذكور مع نقله 41 ربية يطلب تقييدها باسمه. ويذكر بضاعة أخرى أرسلت سابقاً موجهة إلى العم (محمد الصالح). ثم يطلب تبليغ السلام إلى الإخوان وإلى مقام (المشايخ خالد وعذبي المحمد الصباح). ثم يطلب التعريف عن وصول الميز عند حسين بن عيسى أو (محمد السالم السديراوي).
6 - إلى العم حسن بن صالح الضبيب (14): تبدأ الرسالة بعبارات التقدير والاحترام حسب المعتاد. ثم يذكر أنه سبق وأرسل عدة رسائل عن طريق بومبي وأنه لم يستلم أي جواب. ويستفسر عن السبب راجياً ألا يكون بسبب قصور من طرفه. ويلح في السوال وطلب الجواب للاطمئنان على صحة المرسل إليه والتبليغ عن بعض الأخبار والأسعار (في الكويت). ثم يبلغ عن وصول صندوق خوص مع (يوسف إبراهيم المسلم) وفيه أغراض للبيت يرجو قبضه وإرساله إلى بيت العم محمد الصالح (العتيقي) مع الأخ محمد. ويشير إلى غرض عند (محمد العتيبي) سوف يسلمه له. ويطلب الاستفسار عن أهله إن كان لهم مكتوب يودون إرساله له. ثم يسلم على (الملا سعود) ومحمد العتيبي و(جارالله الحسن). ويذكر أنه أرسل "بشت" مع يوسف إبراهيم المسلم.
7 - إلى الأخ محمد بن سليمان العتيبي (15): تبدأ الرسالة بعبارات التقدير والاحترام حسب المعتاد. وفي أعلاه ذكر محل الرسالة مركب بن جورا. يتبع ذلك الإفادة أنه متوجه إلى البحرين ثم يعود إلى بومبي. يخبره بإرسال أمتعة شخصية وأغراض للبيت ويطلب توصيلها إلى حسن الضبيب. ويخبره كذلك بإرسال صندوق قصب فيه أغراض للأهل مع يوسف بن مسلم يطلب توصيلها أيضاً إلى حسن الضبيب. ثم يبلغ السلام إلى الملا سعود وجارالله الحسن والعم حسن و(ابن مهوس) إن كان حاضراً. ثم يشير إلى جنطة (حقيبة) جلد مع الشخص المذكور (ابن مسلم) تعود إلى (خالد الزيد الخالد) يطلب توصيلها إلى (أحمد الفهد) بواسطة الأخ محمد.
8 - ملحق الرسالة السابقة: يتطرق الحديث عن تمر ابن مشعل وأنه يعتقد بسفره من عدن قبل نصفات التمر. وقد أمر المخاطبُ (العتيبي) سالماً بتحويل صافي المبيع إلى محمد السالم (السديراوي). والآن الأمور اختلفت من جهتين الأولى تأخير بيع التمر والثانية أن محمد السالم حصل انحراف في صحته (مرض) ولم يتمكن سالمٌ من مقابلته. والذي يتولى الشغل هذه الأيام (مرزوق) وكاتبه (ابن عامر). وسمع سالمٌ أن محمد السالم عزم التوجه إلى الكويت قريبا. وبالتالي فإن الرأي أن "تكون دراهمنا عند ربعنا أقرب تناولاً". ويقترح على المخاطب إما أن يقبض عوضاً (بضاعة) أو يقبض نقداً في الكويت ويطلب منه القرار حتى يكتب للاثنين (ابن سري) وابن مشعل بذلك. ويذكر أن التمر تحسنت أقيامه بكل مكان.
ثم يذكر إرسال كونية بطاط ونصف كونية بصل مع يوسف إبراهيم المسلم. وأيضاً بقشة إلى ولد زاحم وبقشة إلى فاروق (بن محمد عقيل البستكي) وبقشة إلى (عبدالرحيم العوضي). وبقشة وقوطي حلوا من ولد سيد خلف (النقيب) إلى ولده تسلم إلى (عبداللطيف الابراهيم الخميس). وأخيراً يتطرق إلى رخص العيش من نوع رانقون ونوع حلوا في بومبي. شركة (نرتل مريسن) تعرض بيع ذلك واصل البحرين أو البصرة يقبض المشتري من السيف نمر1 رانقون بسعر 15 ربية ونصف، ونمر 2 حلوا بسعر 13 ربية ونصف . وأما عيش كراجي على حالته السابقة.
نرفق أدناه صورة إحدى الرسائل وهي الموجهة إلى محمد بن حسين المطير:
وفيما يلي الرسالة الموجهه إلى العم حمد بن عبدالمحسن الصالح:
وهذه صورة من ملحق رسالته إلى محمد العتيبي: