عدد الزوار:6634
وثيقة رقم (20): بروةٌ بألف ربية ؛ نموذجٌ من التدقيق المحاسبيّ عند التجار الكويتيّين قديماً
نص الوثيقة: "فقط ألف ربية لا غيرها.
نعم، أنا يا صالح ابن عبدالمحسن العتيقي بموجب وكالتي الشرعية؛ قد قبضت من العم محمد الصالح العتيقي ألف ربية؛ التي يعمل نصفها عن الشَّك والريب خمسماية ربية، وذلك الدراهم خاصَّة عبدالرحمن بن إبراهيم العتيقي من طلبهِ على المذكور محمد الصالح العتيقي، وأعطيته هذي الورقة للبيان واشهد لمن شهد. حرر في 15 ج2 سنة 1343 هـ صحيح، صالح بن عبدالمحسن العتيقي. شهد بذلك: سالم العبدالله العتيقي. شهد بذلك عن إقراره: عبدالله السَّاير الشحنان "
الوصف: الوثيقة بروة كويتية؛ عبارة عن وصل استلام مبلغ ألف ربية هندية.
المصدر: خزانة محمد بن صالح بن منصور العتيقي
القابض: صالح بن عبدالمحسن بن إبراهيم العتيقي بالوصاية لمصلحة: عبدالرحمن بن إبراهيم العتيقي
الدافع: محمد بن صالح بن منصور العتيقي
الكاتب الموثق: صالح بن عبدالمحسن العتيقي. بخطه الجميل الحسن.
الشهود: سالم العبدالله العتيقي وعبدالله الساير الشحنان .
التاريخ: 15 جمادى الثانية سنة 1343 هجرية الموافق 11/1/1925م
الأختام: 1- ختم صالح بن عبدالمحسن العتيقي. 2- ختم سالم بن عبدالله العتيقي. 3- ختم عبدالله بن ساير الشحنان.
- الفوائد العلمية:
أولا: التدقيق المحاسبي في الوثائق الأهلية. اشتملت هذه الوثيقة على عدة أدوات للتدقيق المحاسبي تبيِّن دقة المعاملات التجارية لدى تجار الكويت والوعي المعرفي التام عندهم في الماضي بأصول التوثيق التجاري، وكما تكشف عن علوِّ مستوى الضبط الكتابي الذي كان ممارساً لحفظ الحقوق وتوثيقها. فمن ذلك:
1- الاستفتاح بالعنوان: يفيد التعريف بالموضوع ويوضح الغرض من الوثيقة وحجم المبلغ. وابتدأ بعبارة: "فقط" وختم بعبارة: "لا غيرها" دفعا للشك والتوهم والتزوير. كما أوضح في العنوان نوع العملة وهي الربية الهندية واكتفى بذكر: "ربية" بلا توصيف؛ لشيوعها ووضوح دلالتها على الربية الهندية، ولا يناقضها ذكرُ "الدراهم" أثناء الوثيقة لأنه لا يقصد منه تحديد نوعية العملة.
2- التصدير بالإقرار: فقد صدَّرَ الإقرار بعبارة "نعم" وهي عبارة إيجابية صريحة الدلالة على توكيد ما بعدها.
3- بيان الصفة القانونية: أوضح بعد ذلك صفته القانونية: أنه حاصلٌ على وكالة شرعية تخوِّله بقبض المبلغ.
4- الإقرار بالقبض: أقرَّ تصريحاً بقبض الثمن وحدَّد المبلغ وسمّى الدافع له بما يبرئ ذمته.
5- تأكيد المبلغ " بحسبان نصفه": ونصف المبلغ "خمسمائة ربية" دفعاً للشك والريب. وهي من أساليب التدقيق المألوفة في ذلك الوقت بذكر: "الثمن ونصفه" مقروناً بعبارة: "عن الشَّك والرَّيب"
6- ذكر اسم المستفيد: بعبارة: "وذلك الدراهم خاصَّة عبدالرحمن بن إبراهيم العتيقي"
7- ذكر سبب الدفع : أن ذلك المبلغ مستحق وطلبٌ من عبدالرحمن على الدافع. فعبدالرحمن مستحق للمبلغ المسدد. ولم توضح الوثيقة سبب الدفع ولكن المعروف أن عبدالرحمن بن إبراهيم العتيقي كان في ذلك الوقت صغيراً وكان صالح بن عبدالمحسن العتيقي وصياً عليه، فربما كانت هناك تعاملات مالية بين الأخير وبين محمد الصالح العتيقي تخص أموال عبدالرحمن.
8- التأكيد على أنَّ تسليم سند القبض أو وصل الاستلام كان بياناً للقابض وبراءةً لذمة الدافع. وقد حُرزت وثيقة الوصل بعدها في خزانة التاجر محمد الصالح العتيقي.
9- استدعاء الشهود بعبارة "واشهد لمن شهد" ثم بذكر شهاداتهم.
10- الختام بتصحيح ما جاء في المعاملة والوثيقة من معلومات وأرقام بعبارة "صحيح" و هي مشهورة كأداة في التدقيق التجاري.
11- ذكر التاريخ المفصَّل، وهو 15 جمادى الثانية سنة 1343 هجرية.
12- إقرار الشهود بالشهادة بخطهم وأختامهم.
ثانيا: صفة المتعاملين والواردة أسماؤهم بالوثيقة: هم: أ- الوصي الشرعي: صالح العبدالمحسن العتيقي من تجار الكويت النشطين في ذلك الوقت. ب- ومسدّد المبلغ: محمد الصالح العتيقي من تجار الأصواف والمسابلة في الكويت: المتعاملين مع البادية قديماً، وقد وصفه بلقب: "العـَمّ" لتقدمه في السن والجيل، وهي من عبارات التوقير والاحترام بين أهل الكويت لذا استحسن أدبياً إثباتها في منصوص الوثيقة بين رجالات الأسرة الواحدة.
والآخرون: ج- عبدالله الساير الشحنان تاجر معروف؛ من أصدقاء أسرة العتيقي المقربين. د- وسالم هو ابن الملا عبدالله العتيقي؛ وممن اشتغل بالتجارة أيضاً. هـ- والمقبوض له: عبدالرحمن بن إبراهيم العتيقي وهو أيضًا فيما بعد من تجار الكويت، وأحد فرعي آل سيف العتيقي(بيت العود) الذين ورثوا فن التجارة عن جدهم وامتهنوها أجيالاً عديدة.(1)
ثالثاً: مناسبة الوكالة: أن صالحاً كان معدوداً من "بيت العود" بحكم المصاهرة؛ حيث كان زوجاً لمريم بنت محمد بن عبدالله بن سيف العتيقي "خالة عبدالرحمن"(2). وبعد وفاة ابن عمها إبراهيم بن عبدالرحمن بن عبدالله بن سيف العتيقي؛ احتاج عبدالرحمن الإبراهيم العتيقي وصياً على ماله ليصلحه وينمّيه وينفق عليه منه، فكان ذلك على عاتق صالح العبدالمحسن العتيقي (3) وقد أشار إلى صفته الاعتبارية في بداية الوثيقة بقوله: "بموجب وكالتي الشرعية"(4).
رابعاً: السيولة المالية عند المتعاملين: إن التعامل بمبلغ ألف ربية في الزمن القديم لم يكن بالأمر العسير على ذوي الأموال، والتعامل به يدل على الملاءة المالية الجيدة المتوفرة لدى المتعاملين. ومما يدل على ملاءة التاجر محمد الصالح العتيقي أنه تبرع بمبلغ 500 ليرة ذهب عثمانية للمساهمة في حملة عبدالعزيز بن سعود العسكرية على ابن رشيد أمير حائل(5).
و كتبه أ.د. عماد بن محمد العتيقي
28/رجب/ 1431 الموافق 7/7/2010
-------------------------------
(1) ملاحظة: ينظر أرشيف الصور في موقع Alateeqi.com لمزيد من المعلومات عن بعض الشخصيات الوارد ذكرها في هذا المحل. وبالله التوفيق
(2) كان يتولى لهم أموراً كثيرة بعد وفاة قيِّم (بيت العود)؛ أبرزها: النظارة على أوقافهم المتعددة.
(3) إنَّ تعيين صالح العبدالمحسن وصياً وقابضاً شرعياً عن عبدالرحمن الإبراهيم؛ كان بموجب حكم القاضي عبدالله بن خالد العدساني في وثيقة أهلية بتاريخ 15 شعبان1341هـ بشهادة سالم العبدالله العتيقي وحمد العبدالمحسن العتيقي.
(4) قلت: إمعاناً في تحرير "المصطلحات الشعبية" وتمحيصها؛ فإن أحد المعاني المستعملة على لسان أهل الكويت قديماً من كلمة: (الوكالة) هو معنى: "الوصاية"، ويكون بهذا الوكيل المذكور وصياً. كما في وثيقتنا هذه، لأنها لا يمكن أن تكون وكالة بالمعنى المشهور. فالطرف الأصيل قاصرٌ وهو فاقد لأهلية التصرف، فلا يصح منه توكيل الوكلاء. فثبت أن المراد من هذا الاصطلاح القديم في وثيقتنا هو الوصاية الشرعية، والله تعالى أعلم.
(5) نقلا عن الراوية غانم يوسف الشاهين الغانم.