عدد الزوار:6018
وثيقة رقم(31): شراءُ السيِّد ياسين الطبطبائي "ديوانية العتيقي" المشهورة 1325هـ.
المقدمة: إنَّ اتخاذ المجالس والديوانيات ظاهرة اجتماعية قديمة عند أهل الكويت (1)، وقد كانت الديوانية ومازلت موروثاً عربياً عريقاً يتخذه الكويتيون ويحرصون عليه، فهي ملتقى الجلاَّس، ومضافُ الضيوف، ومحلاً للاجتماعات السياسية والاقتصادية، ومقرّاً لإقامة الجلسات الوعظية والدينية، فالديوانية كانت المقرَّ الاجتماعي الأهم في حياة الماضي والحاضر، يتبادل فيها الناس الأخبار وشؤونهم العامة والخاصة، ويتفقدون بعضهم بعضاً، في مجتمع يشيع فيه التواصل والتزاور والتنظيم بين أفراده، ولم يكن يفتتح الدواوين الكبيرة إلا وجهاء البلد وأعيانهم نظراً للكلفة اليومية التي تبذلها أيدي الجود والسخاء في هذه المجالس. وإنَّ ديوانية العتيقي تعتبر مكوناً مهماً من فريج أسرة العتيقي أومحلتهم في مدينة الكويت القديمة.
نصُّ الوثيقة: " الحمد لله سبحانه.
جرا (جرى) كما ذكر لديَّ وأنا العبد الفاني محمد ابن عبدالله العدساني.
السبب الداعي إلى تحرير هذه الأحرف الشرعية والكلمات المعتبرة المرعية؛ هو أنه قد حضر مجلسَ الشرع الشريف الأنور: الرجلان العاقلان الرشيدان، وهما محمَّد الصالح العتيقي وعبداللطيف ابن علي العتيقي، وشهد كلُّ واحدٍ منهما لله تعالى بأنَّ الحرَّة العاقلة الرَّشيدة المسماة: موضي بنت حمد ابن عبدالعزيز العتيقي قد باعة (باعَتْ) بالبيع الصَّحيح الشَّرعي، وعقدة(عَقَدتْ) بالعقد الصريح المرعي من حامل هذا الكتاب وناقل هذا الخطاب، الرجل العاقل الرشيد المدعو: السيِّد ياسين ابن السيِّد محمَّد ابن السيِّد عبدالمحسن الطبئْطبأئي (الطبطبائي)، وهو أيضاً قد اشترا (اشترى) منها ما هو ملكها وفي حوزتها وتحت تصرفها؛ وهو "دوانية(ديوانية) العتيقي المشهورة" المنتقلة لها إرثاً من أبوها حمد المذكور، الذي يحدها قبلةً مَجْمَع السَّيل الفاصل بينها وبين ديوانية مشاري الثنيان، وشمالاً بيت منيرة بنت حمد العتيقي ويتمُّه بيت محارب، وشرقاً الطريق النافذ العام، وجنوباً بيت البايعة (البائعة) موضي المذكورة، بثمنٍ قدره وعدده: ألف ريال، وسلَّم الثمنَ بتمامه وكماله السيِّدُ ياسين المذكور بيد البايعة (البائعة) موضي المذكورة بيعاً صحيحاً شرعياً جارياً بالطوع والرضا والاختيار، من غير إكراه ولا إجبار، مشتملاً على شرطي البيع وهما الإيجاب والقبول؛ فموجب ما ذكر من البيع وتسليم الثمن وإقرار البايعة (البائعة) بقبض الثمن من يد المشتري، صار البيت المبيع المذكور مالاً وملكاً للمشتري السيد ياسين المذكور من سائر أملاكه، بيت فيه تصرف أهل الأملاك في أملاكهم وذوي الحقوق في حقوقهم، من غير ممانع ولا منازع بوجه من الوجوه ولا سبب من الأسباب حتى لا يخفى، وقد جرا (جرى) ذلك وحرر في 16 رجب الأصم أحد شهور سنة 1325هـ ألف وثلاثماية وخمسة وعشرين هجرية، على مهاجرها أفضل الصلاة وأزكا (أزكى) التحية.
شهد بذلك عن قرارها: عبدالله ابن محمد العتيقي."اهـ
الموضوع: بيع الوجيهة موضي بنت حمد العتيقي عقار الديوان الذي ورثته عن أبيها في محلة العتيقي؛ على الوجيه السيد ياسين الطبطبائي، حيث رغب في اتخاذه مجلساً خاصاً وديواناً في وسط مدينة الكويت.
البائع: موضي بنت حمد بن عبدالعزيز العتيقي.
المشتري: السيِّد ياسين بن السيِّد محمد بن السيِّد عبدالمحسن الطبطبائي.
التاريخ: 16/7/1325هـ الموافق الأحد 25/8/1907م.
الشهود: محمد بن صالح العتيقي، وعبداللطيف بن علي العتيقي، وعبدالله بن محمد العتيقي.
الثمن: ألف ريال فرانسه نمساوي.
المصدر: من محفوظات خزانة أسرة الطبطبائي الكريمة.
الأختام: ختم القاضي محمد بن عبدالله العدساني.
التحديد الجغرافي: تقع الديوانية في مدينة الكويت، ما يعرف لاحقاً بالمنطقة التجارية في وسط سوق المباركية؛ واشتهرتْ بـ" محلة العتيقي".
الدواوين الواردة بالوثيقة: فالأولى: ديوانية العتيقي (موضوع الدراسة) والثانية: ديوانية مشاري الثنيان.
الفوائد المستفادة:
1- أنَّ الوثيقة شرحتْ سبب ملكية ": موضي الحمد العتيقي" للديوانية؛ أنها انتقلت إليها بالإرث من أبيها الوجيه: حمد العبدالعزيز العتيقي، لأن الدواوين لم تكن تتخذ إلا لمجالس الرجال خاصة، ومن أشهر الوجهاء المحسنين من رجالات الأسرة بوقته: الشيخ الحاج عبدالعزيز بن حمد العتيقي الحنبلي رحمه الله؛ الذي اتخذ قديماً هذا البيت ليكون ديواناً كبيراً يستقبل فيه الناس.
2- كانت ديوانية الحاج عبدالعزيز الحمد العتيقي بيتاً مفتوحاً للجود والكرم؛ يأوي إليه المسافرون، ويقصده كلَّ يومٍ الحاضرون، ويجتمعون فيه أيام الأعياد والمناسبات، واستمر الاجتماع بهذا الديوان دهراً طويلاً من الزمن، لم ينقطع عنه الزائرون حتى في زمن ابنه: حمد بن الحاج عبدالعزيز العتيقي؛ سائراً على خطى أبيه حتى قضى رحمه الله .
3- أتى الموثق العدساني بوصفٍ عُرفي للديوانية هو الاشتهار؛ بقوله: " ديوانية العتيقي المشهورة " فالشهرة ملازمة لمن سلك سبيل الكرم وإضافة الضيوف ، وهي من مدلول الوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي عرف به أصحاب هذه الديوانية في القديم الكويتي (2).
4- ويستفاد أيضاً: أنَّ للديوانية موقعاً مميزاً ظاهراً بارزاً اقتضى أن تباع بسعرٍ عالٍ، فهي تطل على شارعين رئيسيين؛ في وسط المنطقة التجارية من سوق الكويت، والمبلغ المدفوع فيها كثمن وهو ألف ريال نمساوي؛ يدلُّ على سَعَة مساحة العقار وجودة بنائه ورحابة أطرافه واكتمال منافعه .
5- من الفوائد الكثيرة التكرار في الوثائق الكويتية: البروز الواضح لمكانة المرأة الكويتية وتمتعها بحقوقها المالية الكاملة؛ من الإرث والبيع والشراء والوقف والهبة، مما يكشف عن جانب الكرامة التي تنعَّم بها السابقات من نساء الكويت (3) فموضي الحمد العتيقي تبيع من إرثها: ديوان أبيها.
6- من المناسبات اللطيفة؛ أنَّ جميع الشهود المذكورين بوثيقة البيع؛ هُمْ من أصحاب الدواوين العامرة المفتوحة يومياً؛ لإكرام الناس وضيافة الضيوف المسافرين وإقامة الولائم وإطعام الفقراء، فالأول: " ديوان محمد الصالح العتيقي " كان في تلك الفترة ببيته الواقع في السكة المحاذية لسكة عنزة؛ ثم بانتقال بيته لفريج العتيقي افتتح ديواناً عامراً من بيته (4)، والثاني: " ديوان عبداللطيف بن علي العتيقي " كان يستقبل فيه الضيوف والمسافرين وخاصةً التجار القادمين من الزلفي أو سدير، ويقع ديوانه العامر في بيته المشترك بينه وأخيه سيف العلي العتيقي في جنوب حي الوسط، منطقة شمال المسيل، وكان لصيقاً ببيته كشكُ الشيخ مبارك الصباح. والثالث: " ديوان عبدالله بن محمد العتيقي " كان ديوانه معروفاً بديوانية "البيت العود" تقع في قلب محلة العتيقي (5) وهو تاجر وقته وزمانه، يتوافد عليه الأعيان والتجار والفقراء، لا ينقطع عن القيام بحق ضيافتهم ألبتة . وزامَنَ ذلك وجود ديوانيات أخرى لأبناء الأسرة عامرة بالجلاس وأصناف الناس؛ أهمها " ديوانية الملا عبدالله بن حمد العتيقي " وكانت عقاراً مستقلاً مجاوراً لبيته في محلة العتيقي، ويغلب عليها مداولة شؤون الدولة وسياسة الحاكم والمحكوم.
7- ويستفاد أيضاً: أنَّ سبب اختصاص عبدالله المحمد العتيقي وحده بالشهادة عن قرار السيدة موضي بالبيع هو القرابة بينهما، وطالما كانت القرابة ما بين "البيت العود"؛ وهم ذرية سيف بن حمد السيف العتيقي، وأبناء عمهم "بيت الحمد" وهم ذرية عبدالعزيز بن حمد السيف العتيقي، وهذان البيتان من أقدم البيوت توطناً لمحلة العتقا في مدينة الكويت. وكانوا أول الأمر جميعاً في البيت العود الذي أنشئ في 1188هـ/1774م حيث أسسه جدهم الشيخ سيف, ثم انفصل عبدالعزيز وذريته في البيوت المجاورة ومن هنا عرفت المنطقة بمحلة العتيقي.
8- أن الوثيقة جاءت بالتسلسل النسبي الصحيح لاسم السيد ياسين.كما أثبت الموثق العدساني لقب السيادة للمشتري وآبائه فهو السيد ياسين بن السيد محمد بن السيد عبدالمحسن (6) وذلك للدلالة على انتسابهم لأرومة آل بيت المصطفى صلى الله عليه وسلم. والسيد ياسين الطبطبائي علم معروف ومن مواقفه الشهيرة الدعوة إلى إنشاء أول مدرسة نظامية في الكويت وهي المدرسة المباركية في القصة المعروفة (7) .
9- ورود اسم محمد الصالح العتيقي بصفته شاهداً على العقد كان بحكم القرابة لأنه ابن خالة البائعة، وقد تزوج بالبائعة موضي بعد وفاة زوجها الأول حسين باشا المشري الذي أنجبت منه ابنتها عائشة (8)، فلم يحمل "صفة الزوج" حين وقوع التعاقد على بيع الديوانية.
10- ظهور التمركز العقاري في محلة العتيقي "لبيت الحمد" ذرية الشيخ عبدالعزيز العتيقي. وبوثيقة واحدة فيها ثلاثة عقارات: فالديوان وبيت البائعة وبيت أختها. مما يدلُّ على أمرين: الأول: القدم الزماني في استيطان هذا الموقع من أحياء الكويت القديمة من جهة عبدالعزيز الحمد العتيقي وأخيه سيف الحمد العتيقي (9)، والثاني: على السعة في الثروة والرزق التي أنعم الله تعالى بها على هذه الأسرة.
11- يستفاد من جغرافية موقع العقار؛ أنه لم يَلبَثْ ملكاً للسيد ياسين إلا سنين قليلة، حتى انتقلت ملكيتُه من السيد ياسين الطبطبائي بالبيع إلى عبدالعزيز الرميح، وذلك بالمقارنة مع وثائق أهلية أخرى مجاورة (10).
12- ثمن المبيع إذا قدرت قيمة صرفه من الريال الفرانسه إلى الربية؛ فسيكون الألف ريال نمساوي مساوياً ألفين وخمسمائة ربية هندية، وهو مبلغ عالٍ لا يدفع إلا في العقار الجيد الواسع .
وكتبه أ.د. عماد بن محمد العتيقي.
في سبتمبر2011م
الموافق شوال 1432هـ.
الهوامش:
---------------------------
(1) ينظر: الديوانية الكويتية، تأليف خالد محمد المقامس ط1، 1986م .
(2) من عادة الموثقين العداسنة الاستغناء بذكر "الاشتهار" عن إيراد التحديدات الجغرافية؛ فلما اجتمع لدينا في الوثيقة: التوصيف المكاني للموقع بالإضافة لذكر الاشتهار معاً؛ عرفنا أن المقصود بالشهرة: معناها العرفي.
(3) ولهذا نظائر وثائقية من تعاملات سيدة الأعمال / موضي الحمد العتيقي؛ ينظر مثالاً: الوثيقة 23 في موقع العتيقي .
(4) ويقع حالياً اليوم في المساحة (الجنوب شرقية) من "مجمع النصار" التجاري بالمباركية .
(5) وهي اليوم جزءٌ ضمن حدود (المبنى القديم) للمكتبة الوطنية بالمباركية.
(6) ينظر: "علماء الكويت وأعلامها في ثلاثة قرون"، الرومي؛ عدنان، ص126.
(7) ينظر "صفحات من تاريخ الكويت" للشيخ يوسف بن عيسى القناعي, باب السبب في إنشاء المدرسة المباركية.
(8) وثيقة عدسانية فيها: "تزكية الملا عبدالله بن حمد العتيقي ومحمد الصالح العتيقي لعايشة بنت حسين (باشا) المشري لأهلية التصرف في مالها وبلوغ الرشد في 25 صفر 1334هـ". وحسين المشري كان من أعيان بلد الزبير.
(9) وَرَدَ ذكرُ بيت الشيخ عبدالعزيز العتيقي بوثائق قديمة؛ منها: "العدسانية المؤرخة 1237هـ بتوثيق محمد صالح بن محمد العدساني"، وإنَّ توطُّنَه أقدم من هذا التاريخ؛ حيث إنَّ أباه حمداً السيف العتيقي قد استقرَّ في البيت العود (نواة محلة العتيقي الأولى) في آخر القرن الثاني عشر الهجري.
(10) ينظر: عدسانية مؤرخة بتاريخ 1335هـ جاء فيها: "حضر لدي محارب ابن سليمان وأقر بأنه قد باع من حامل هذا الكتاب(...) عبدالعزيز ابن ناصر ابن رميح، وهو ايضاً قد اشترا منه ما هو ملكه وتحت تصرفه(...) وهو بيته الواقع في محلة العتيقي الذي يحده قبلة بيت منيره بنت حمد العتيقي، وشمالاً الطريق النافذ، وشرقاً الطريق النافذ، وجنوباً بيت المشتري عبدالعزيز المزبور المذكور"اهـ، فالبيع الواقع بالجهة الجنوبية من بيت محارب هو الدوانية سابقاً؛ وعليه فيفترض أنها قد بيعت على الرميح قبل التاريخ المذكور، كما أنَّ هذه العدسانية قد صرَّحتْ باسم الفريج المشهور آنذاك، والله أعلم. انظر: صحيفة القبس 3/1/2010م