موقع العتيقي

عدد الزوار:6564

 موقع العتيقي

موقع العتيقي:19 يناير 2023 تم اضافة مقال وثيقة 63 شراء أرض قيصرية العتيقي في الكويت وتقسيم دكاكينها وسبق اضافة مقال: العتيقي في كتاب "من وثائق سديد": قراءة تحليلية ومقال: وثيقة رقم (62) أمر الإمام عبدالله بن فيصل بن تركي ال سعود بعدم التعرض لأملاك ال منصور العتيقي في المجمعة: تاريخ حرب المجمعة،  

وثيقة رقم (32): الإمامُ ( عبدُالله الفيصل آل سعود) يُنظِّمُ سياسةَ "ولايةِ الحسْبة" بجلاجل، ويكلِّف لجنةً للقيام بها.

وثيقة رقم(32): الإمامُ ( عبدُالله الفيصل آل سعود) يُنظِّمُ سياسةَ "ولايةِ الحسْبة" بجلاجل، ويكلِّف لجنةً للقيام بها.

المقدمة: يعتبر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أبرز صفات الأمة المسلمة، وإن صلاح الرعية من صلاح السلطان، قال تعالى: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله"(1). ولذا حرص أئمة الدولة السعودية على تنظيم عملية "الاحتساب" بتوفير الأفراد المؤهلين بالعلم وبالمهارات الدعوية التي تمكنهم من حثِّ الناس على الصَّلاح. وفي هذه الوثيقة تتجلَّى سياسةُ "الأمة الوسط" فلا (إفراط) على الرعية: إذ به هلاكُها، ولا (تفريط) فيها: إذ به اعوجاجُها، وإنما (بالاعتدال) بين ذلك تكون استقامتها، وهذا الحرص يعبر عن حسن علاقة الراعي برعيته، وتفانيه في إرشادهم والارتقاء بأحوالهم.

 

نصُّ الوثيقة : " بسم الرحمن الرحيم ؛

من عبدالله بن فيصل إلى الإخوان لكرام (الكرام): عبدالرحمن بن ثاقب، وإبراهيم بن جلاجل، وعبدالعزيز بن سلمان، وحسن بن عبدالكريم الحيدب (الأحيدب)، وأحمد بن عبيد، وعبدالرحمن بن جمَّاز، وعبدالعزيز بن سعيد، ومحمد بن منصور.

 سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته؛ وبعدُ. تفهمون أنَّ القيام بالمعروف والنهي عن المنكر من افرايض (فرائض) الد(الدين) ومما كلفنا به ربُّ العالمين، وأنا ملزمكم القيام "بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" على الشريف والوضيع، تجلون وتدبُّون !، ولا لكم معارض إنشا (إن شاء) الله. ومَنْ اعترض دونكم في ذالك (ذلك) بشيء؛ فرفعو  (فارفعوا) أمره إلينا يكون معلوم.

وأنت يا علي بن سويِّد؛ أنا ملزمك تنفيذ ما وَمَرُوك(أمروك) به، والقيام على مَنْ  اعترض، فاإن (فإن) حصل خلل فلاادب (فالأدب) عليك، والسلام."اهـ
 

 الموضوع:  الوثيقة مرسومٌ تنظيمي من أحد حُكَّام الدولة السعودية الثانية، مرسلٌ إلى مجموعة رجال في سدير يكلفهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويحدد لهم اختصاصاتهم ويحدد القواعد والآداب المنظمة لعملهم، صيانةً للنظام، ومراعاةً للحق العام والخاص، وإقامةً للشرع.

المُصِدر والمُرسِل: الإمام "عبدالله بن فيصل بن تركي بن عبدالله آل سعود". وهو الحاكم الثالث في الدولة السعودية الثانية بعد والده الإمام فيصل وجده الإمام تركي؛ رحمهم الله تعالى. وكانت سنوات حُكمه على فترات: "الفترة الأولى" من رجب 1282 إلى 1288هـ، و"الفترة الثانية" من 1293هـ إلى 1305هـ، وتوفي في ربيع الآخر سنة 1307هـ (2).

 المرسل إليه:  إنَّ المتسلِّم للرسالة مباشرةً غير معيَّن في أصل الخطاب، والظن الغالب أنها محمولة لأمير جلاجل "علي بن سويّد"، ومضمون الرسالة موجَّهٌ إلى: اللَّجنة المكلَّفة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بلد جلاجل، وأعضاؤها هم:

1- عبدالرحمن بن ثاقب 2- إبراهيم بن جلاجل (3) 3- عبدالعزيز بن سلمان 4- حسن بن عبدالكريم الأحيدب 5- أحمد بن عبيد (4) 6- عبدالرحمن بن جماز 7- عبدالعزيز بن سعيد 8- محمد بن منصور. ويشرف عليهم: 9- علي بن إبراهيم بن سويِّد أمير بلد جلاجل(5) رحمهم الله تعالى.

 تاريخ (التكليف):  لم  يُحدَّد، ولكن يرجَّح أن يكون في سنة 1287 هـ أو السنة التي بعدها؛ ذلك لأن "علي بن سويد" مذكورٌ في الوثيقة بما يوحي بتوليته الإمارة. وكان والده إبراهيم أميراً لجلاجل حتى قتل سنة 1287هـ، وعبدالله الفيصل انحلَّتْ ولايته الأولى سنة 1288هـ بقيام أخيه سعود عليه.

 الكاتب:  غير معروف.

 المَصدَر:  خزانة الأخ الفاضل: عبدالله بن ناصر العبدالمحسن العبيد الخزرجي.

 الأختام:  اشتملت الوثيقة على ختم (الإمام عبدالله الفيصل آل سعود). وهو غير واضح المعالم في هذه الوثيقة؛ ولكنَّ شكله "ثمانيَّ الأضلاع" مشابهٌ لخاتمه في وثائق أخرى؛ منها: رسالة حَكَمَتْ لصالح ورثة: محمد المنصور ( العتيقي ) (6). ونقشه في هذه الوثائق يُقرأ: " ابنُ فيصل عبدُ الله"، وصورة الرسم المنقوش: أنَّ لفظَ الجلالة في أعلى النقش، وكلمة "ابن" في أسفله، فيُقرأ من الأسفل إلى الأعلى. وترتيب الأسماء في النقش يدل على حس رفيع بتوقير الوالد وتعظيم الخالق.

 

الفوائد المستفادة:

 1-  أول ما يلفت النظر في نصِّ الوثيقة؛ روحُ الأخوة والتقدير التى صدر بها المرسل خطابه إلي المكلفين، حيث خاطبهم بصفة: "الإخوان الكرام". وذلك يعبر عن صفاء الود والمعرفة السابقة بين الإمام عبدالله والمرسل إليهم، وحرصه على التواصل مع وجهاء بلدان الأقاليم على كثرتهم.

ثم يستفاد من أسلوب الخطاب أيضاً: إثبات المرجعية العلمية للمكلفين: (الشريعة الإسلامية) وتقريرها، فمن لا يعرف أصول الدين الإسلامي وأبواب الحلال والحرام لا يستطيع التفرقة بين المعروف والمنكر، ولا يمكنه العمل بمقتضاهما فعلاً وتركاً.

 ومنه أيضاً:  شهرة المخاطبين بالصلاح في بلدهم "جلاجل" وشهرة أسرهم حيث اكتفي في تسميتهم بالاسم الأول واسم العائلة أوالجد، ما عدا "حسن الأحيدب" فذكره ثلاثياً بسبب وجود حَسَنٍ آخر من أسرة الأحيدب هو "حسن بن عبدالعزيز الأحيدب" (7) وحتى لا يخفى المقصود بالخطاب. وهذا التفريق يدل أيضاً على المعرفة الدقيقة من المرسل بوجهاء البلد.

 2-  ومن المناسب التفريقُ: بين المحتسب: "محمد ابن منصور" المذكور في الوثيقة و"محمَّد (بن عبدالله) ابن منصور العتيقي"، الذي كثيراً ما يشارُ إليه في وثائق تلك الفترة مختصراً بـ( محمد بن منصور). فقد كان لارتباط آل منصور العتيقي ببلد جلاجل وشهرتهم بالقرن الثالث عشر الهجري فيها؛ الأثرُ الواضح في توثيقات تلك المنطقة، مما جعل الشهرة العُرفية باسم الجد "منصور" كافيةً للتعريف بهم .

وقد سمَّى الإمامُ عبدالله الفيصل "ابنَ منصور العتيقي" بعد وفاته: بـ "محمد بن منصور" مختصراً، بما يشابه الاسم الوارد في وثيقتنا نفسه، حيثُ أثبت لورثته "حقَّ المِلْكية" وتوابعه في نخله ونخل أخيه: "منصور بن عبدالله العتيقي" في (مدينة المجمعة)  عندما لزم ذلك (8).

ولما كان محمد ابن منصور العتيقي قد توفي سنة 1281هـ؛ عرفنا أنه ليس المقصود بهذه الوثيقة واكتفى كاتب وثيقة الحسبة لذلك باسم: محمد بن منصور (المحتسب)، تعريفاً به . حيث لا يشركه في تلك الفترة مشارك ولا يلتبس به مُلابس .

3- يلاحظ تلطف المرسل في التكليف بتذكيره للجماعة أن القيام بالمعروف والنهي عن المنكر من فرائض الدين رغم أنه مفهوم لديهم، وذلك من قبيل التحفيز وتهيئتهم لقبول التكليف بالترغيب في تنفيذه. وفي ذلك يشير الإمام إلى مبدأ "الحسبة" الذي هو من فروض الكفاية، المتعيِّن على الأشخاص الذين يتكفَّلون به نيابة عن الآخرين. وقيام الحاكم بتعيين هؤلاء الأشخاص من الأمور التنظيمية اللطيفة، فهو من جهة: يرفع التكليف الرسمي عن بقية أفراد المجتمع، ومن جهة أخرى: فيه اختيارٌ لأفرادٍ مؤهلين بالعلم والأدب من شأنهم أن يتحقق بهم المقصود وهو القيام بالبلاغ والإصلاح.

 4-  ومن الفوائد: تعيين الوحدة الجغرافية لهيئة الحسبة، وهي البلدة الواحدة . ففي هذا النص الوثائقي؛ اختير رجالٌ من أعيان بلد جلاجل للقيام بالحسبة في البلد نفسها . دفعاً للمشقة حيث لو كلفهم بها في بلاد غير بلادهم لما كان لهم نفس القبول الذي في بلادهم، ولوجب عليهم الانتقال بما فيه من أعباء. كما أعانهم بأمير البلد: علي بن سويد، كجهة تنفيذية ذات سلطة عندما يسترشدون جميعاً على الإصلاحات التي ينبغي تنفيذها دون معارضة.

 5-  ومن الفوائد: توزيع الأدوار بين أطراف ولاية الاحتساب الثلاثة: اللجنة المحلية، والأمير، والحاكم. حيث لم يشق الإمام على لجنة المحتسبين؛ فلم يكلِّفهم "بالتغيير اليدوي" لمخالفات المخالفين ومعاقبتهم بقسوة، بل جعل ذلك مردوداً إلى الحاكم بقوله: "فارفعوه لنا". وفيه: تذكير بهيبة السلطان وإعطاء الفرصة للمخالفين للعودة إلى جادة الصواب، وإما توضيح أعذارهم الشرعية إن كان لهم مبررات للمخالفة. وأكد على الحدود التي يقف عندها اختصاصُ الهيئة المحلية: "بالنصح القولي" فقط وذلك بقوله: "يجلون ويدبُّون"؛ أي في حالتي: الإعلان والإسرار . فالتجلية: هي بيان الأمر المطلوب وإظهاره، وهي لازمة ليتحقق فهم المعروف وقبوله. وقوله "يدبُّون"؛ أي: يحضون عليه خُفية (9) وينصحون الناس سراً، فليس من شأنهم إيذاء المدعوين أو التشهير بهم، وإنما يجلون أي يوضحون لهم أبواب الخير وينهونهم عن منكرٍ إن وجد بالحكمة والموعظة الحسنة، فيُعلنُون ويُسِرُّون بحسب مقتضى المصلحة الشرعية.

وحدَّد صلاحيات الأمير في حالة وقوع الخلل من رعاياه: "بالتأديب "، قال: (فالأدب عليك) وهي عبارة راقية توضح دور الأمير في الحفاظ على الآداب العامة من استهتار الفساق والمنحرفين. ولم يكن لأمير البلد شرطة في ذلك الوقت ولكن قبول الناس له ولما يمثله من سلطة الحاكم كان كفيلاً بتنفيذ ما يصدر عنه من توجيهات تحافظ على الآداب العامة. وله أن يرفع إلى الحاكم أمر المخالفين لكي يرى فيهم رأيه.

6- ومن فوائد النص: أنَّ الحسبة لا فرق فيها بين شريف ووضيع، فالتكليف يشمل الشريف قبل الوضيع. وهذا يمثل أبسط مبادئ العدالة بين الناس، وأحرى أن يستجيب العامة إذا رأوا أشراف الناس ووجهاءهم يقومون بالمعروف وينتهون عن المنكر.

وكتب أ.د. عماد بن محمد العتيقي

ذو الحجة 1432 هـ ، نوفمبر 2011م

 

الهوامش:

 (1)  سورة آل عمران: 110.

(2) ينظر: الأطلس التاريخي للمملكة العربية السعودية. دارة الملك عبدالعزيز، 1421هـ. ص 140-146، ينظر أيضاً: د. خليفة بن عبدالرحمن المسعود "موقف القوى المناوئة من الدولة السعودية الثانية"، إصدار الدارة، 1426-2005م.

 (3)  كان لآل جلاجل دور في إمارة بلد جلاجل ؛ منهم: عبدالله بن جلاجل، أمَّرهُ عبدالعزيز بن سعود من 1191هـ، ومحمد بن عبدالله بن جلاجل تأمر بها من 1235-1236هـ. ينظر: تاريخ البلدان النجدية في المصادر التاريخية، تأليف: عبدالله المبرز وحمد الوهيبي، 1429هـ.

 (4)  هو الشيخ أحمد بن عبدالرحمن بن محمد بن عبيد الحنبلي، من أشهر كتَّاب الوثائق في بلد جلاجل في وقته.

 (5)  كان بيت سويِّد هو "بيتُ الإمارة" في جلاجل . فمنهم: "علي بن إبراهيم بن سويد" هذا المتوفى سنة 1290 هـ. وتولى قبله: أبوه "إبراهيم" حتى قتل في الأحساء سنة 1287هـ، وجده: سويِّد بن علي الذي تولى الإمارة سنة 1236. وجدهم: "سويد بن محمد" كان أميراً في جلاجل حتى سنة 1191هـ؛ خَلَفٌ -على الإمارة- لأبيه: "محمد بن عبدالله بن إبراهيم بن سليمان بن حماد بن عامر الدوسري" المتوفى سنة 1158هـ . ينظر: عبدالله المبرز وحمد الوهيبي، المرجع السابق.

(6)  هو محمد بن عبدالله بن منصور العتيقي، والوثيقة مؤرخة في سنة 1299هـ. وأخرى موجَّهة للشيخ محمد بن عبدالله بن سليم سنة 1302هـ.

(7) ورد ذكره شاهداً في وثيقة مؤرخة سنة 1291هـ، ينظر: موقع العتيقي، وثيقة رقم: (30).

 (8)  ورد في نصِّ الوثيقة المؤرخة سنة 1299هـ: "من عبدالله بن فيصل ؛ إلى من يراه من العيال والخدام، السلامُ وبعد: جميع الأشقاص من النخيل الذي في المجمعة، تخصُّ عيال: محمَّد بن منصور وما أرَّثه أخوه: الخميسية (...) الجميع؛ لا يعارض بقطع ولا شحم ولا بدمار! حنَّا مُمْضينه لهم، يكون معلوم والسلام"اهـ. ويبدو أن ورثة "آل منصور العتيقي" تحصلوا على هذا الصَّك قُبيل: حرب المجمعة؛ للحفاظ على ممتلكاتهم.

 (9)  انظر: كتاب "كلماتٌ قَضَتْ " تأليف: محمد بن ناصر العبودي، ج1، ص 272 ، نشر دارة الملك عبدالعزيز.

 

 Top