عدد الزوار:6469
وثيقة 37: كتاب الشيخ سالم المبارك الصباح إلى أحمد الحميضي بالدفع إلى محمد بن حمد العتيقي- من وثائق بناء سور الكويت الثالث.
مقدمة: كان مشروع سور الكويت الثالث من أهم المشاريع الدفاعية التي مرت في تاريخ الكويت. وقد اتضح من وثائق آل حميضي التي نشر بعضها مؤخراً والمتعلقة بالموضوع مدى دقة تنظيم المشروع وسرعة إنجازه حيث عهد الشيخ سالم المبارك بإدارته إلى هيئة برئاسته مكونة من محمد بن حمد العتيقي ومحمد علي بن حيدر معرفي وحمد الخالد الخضير وعبدالله بن راشد الهاجري وسالم الحمود الصباح بالإضافة إلى أحمد بن محمد صالح الحميضي مسئول الخزينة. والوثيقة التي بين أيدينا هي أول أمر موثق بالصرف على العمال الذين يعملون في بناء السور، الأمر الذي فتح الباب لاستكمال المشروع في وقت قياسي.
نص الوثيقة:
"10000 ربيه، عشرة آلاف ربية لا غيرها.
جناب الأكرم الأفخم الأخ أحمد ابن المرحوم محمد صالح الحميظي (الحميضي) المحترم دام محروساً.بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بعده ادفع إلى محمد بن حمد العتيقي كما هو مرقوم أعلاه عشرة الاف ربيه وذالك لأجل أجرة العملة الذين يشتغلون في البدن وبعد الدفع اخذ الورقة مظهرة بالوصول وقيّدها بجاري الحساب والسلام.
2 رمضان 338هـ
سالم المبارك الصباح "
وثيقة رقم (37) أول وثائق الصرف على بناء سور الكويت الثالث
الموضوع: كتاب من حاكم الكويت الشيخ سالم المبارك يتضمن أمر المسؤول على مالية الدولة أحمد الحميضي بالدفع ليد محمد بن حمد العتيقي مبلغاً محدداً، وأمر بتسجيل المبلغ ضمن قيود الحسابات.
الآمر بالدفع والتسجيل: الشيخ سالم المبارك الصباح.
المأمور بالدفع والتسجيل: أحمد بن (محمد صالح) الحميضي.
المأمور له بالدفع: محمد بن حمد (العبدالمحسن) العتيقي.
المصدر: خزانة آل أحمد الحميضي والنقل بواسطة الأستاذ الدكتور عبدالله يوسف الغنيم(1).
التاريخ: اشتملت الوثيقة على تاريخ الأمر بالدفع وهو يوم 3 رمضان 1338هـ الموافق 21/5/1920م .
كاتب الوثيقة: الخطاب منسوخ بيد سكرتير حكومة الكويت "الملا صالح" بخطه الحسن (2) .
الأختام: اشتملت الوثيقة على ختم الشيخ سالم المبارك الصباح وتوقيعه.
المستفاد من الوثيقة:
1-نموذجٌ مهم على رُقيِّ نظام الإدارة المالية في حكومة الشيخ سالم المبارك بما ينسجم مع أهمية مشروع بناء السور وحيويته لأمن الدولة، ومن أبرز تلك المقومات الواردة بالوثيقة: الهيكلة التنظيمية للمشروع، وكيفية أسلوب المخاطبات والرسائل، والعناية بالتوثيق المالي.
2-عناية الأوائل بتحرير الأوراق المالية، وأساليب توثيقها في ذلك الوقت الذي لم يخلُ من ثقافة محاسبية وحذاقة دفترية؛ وذلك من خلال:
أ- استخدم في صدارة "كتاب الصرف" أسلوب الدلالة بالأرقام على المبلغ المعدود ثم أعقب بيانه بالكتابة الحرفية للمبلغ المطلوب، ليأمن الكاتب التصحيف والتحريف.
ب- ثم قفل الرقم المطلوب بقوله: " لا غيرها " ليمنع الإضافة والزيادة عليه.
ج- ثم أعاد عليه النظر إقراءاً بقوله فيما بعد: "كما هو مرقوم أعلاه" بمؤكدات تكفل السلامة من الخطأ في تعيين المبلغ.
د- ثم الختم "لكتاب الصرف" بأمره بتقييد المبلغ وتسجيله في جاري الحساب" اخذ الورقة مظهرة بالوصول وقيّدها بجاري الحساب "، وجاري الحساب: السجل الحاوي لجميع متعلقات الذمة من الالتزامات والإلزامات في الحقوق المالية.
هـ- وفي قوله: "وبعد الدفع خذ الورقة.." لفتةٌ تعاملية أديبة، وهي ألا يعطّل المدفوع له بتسجيل المبلغ في السجلات وإنما ليبادر أمين الخزينة بالدفع مباشرة بلا تأخير بعد استلامه وصل القبض من المدفوع له.
3- نظراً لضخامة المبلغ المصروف سلك الشيخ سالم أسلوب التعليل في كتابه؛ فقال: " لأجل أجرة العملة الذي (الذين) يشتغلون في البدن " ليقطع التساؤل المتوقع حول سبب الدفع(3).
4- سبب بناء السور:هذه الوثيقة شاهدةٌ على الحرص الذي تحلَّى به "حاكم الكويت سالم الصباح" في ظل تصاعد تهديدات أتباع ابن سعود على الكويت وخاصة من تسموا بالإخوان، هذه التهديدات التي بلغت ذروتها في هجوم شنوه على فرقة من أهل الكويت توجهت بأمر الشيخ سالم إلى مقربة من قرية(جرية) عند حدود الكويت الجنوبية. كان ذلك في 4 إبريل 1920 وهو الشهر الذي سبق بدء بناء السور(4)؛ فإن الشيخ سالم شاور أهل الكويت في بناء السور (المسمى البدن في الوثيقة) واعترض عليه من اعترض تخوفاً من تضييق الحركة عليهم في انتقال أو تجارة. ولكنه حزم أمره بسرعة وجهز أهل الكويت للعمل (5).
5- تنظيم المشروع: يستفاد من مذكرات شاهد عيان أن الشيخ سالم قام بتحديد مسئوليات ومهمات المشروع لرجال المدينة البارزين، فهناك مسئول عن الحفر وآخر عن الصلصال وثالث عن المواصلات. كما عين رجل عن توفير الجص والملاط وآخر عن توفير الطعام لآلاف العمال و رجل سادس لتوفير المياه(6). وتفيد وثيقتنا وأخواتها اللواتي نشرهن الدكتور عبدالله الغنيم عن وجود هيئة إدارية للمشروع تتألف من أحمد بن محمد صالح الحميضي (7) مسئولا عن أذونات الصرف و محمد بن حمد العتيقي (8) ومحمد علي بن حيدر معرفي (9) وحمد الخالد الخضير (10) وعبدالله بن راشد الهاجري (11) وسالم الحمود الصباح (12) الذين تولوا الإشراف على مهمات مختلفة والصرف على العمال.وقد تم بناء السور في سبتمبر من نفس العام أي خلال أربعة شهور ولكن مصاريفه استمرت بعد ذلك حتى إبريل 1921 وذلك لتسوية بعض الحسابات وأعمال التشطيب والصيانة (13).
6- تمويل المشروع: تعددت الروايات حول تمويل المشروع، فحينما يذكر الدكتور ماليري الذي كان موجوداً وقتها أن هناك ضريبة فرضت على سكان المدينة (14)يذكر عبدالعزيز الرشيد أن الأهالي قاموا بنفقة السور دون مساهمة من الحكومة (15) . والذي يبدوا لنا أنه في تلك الفترة الحرجة التي انقطعت فيها موارد تجارة المسابلة مع أهل نجد كانت الحكومة تعاني من ضائقة مالية بسبب فقدان هذا القسم من الجمارك على البضائع. ولعدم وجود أرقام مدققة عن الإيرادات والمصروفات الحكومية قبل سنة 1938م فإنه يمكن تصور الوضع لو نظرنا إلى موارد الحكومة سنة 1938 والتي لم تتجاوز 263 ألف ربية أكثرها إيرادات جمركية. والحاصل في ذلك الوقت أنه بعد خصم بند الرواتب والمخصصات للموظفين وأبناء الأسرة يتبقى فقط مبلغ 23 ألف ربية للمصروفات العامة في جميع القطاعات (16). وكانت الضريبة في ذلك الوقت تبلغ 6%. من ذلك يمكن تصور الوضع سنة 1920 عندما كانت الظروف المالية أصعب بسبب انقطاع التجارة النجدية وكذلك خفض الضريبة في عهد الشيخ سالم من 5% إلى 4%. وإذا كانت مصاريف الحكومة المباشرة بلغت 208 ألف ربية دفع أكثرها خلال أربعة أشهر فلا يمكن أن نتصور أن لدى الحكومة موارد تغطي هذا المبلغ ولا حتى جزأً يسيرا منه. فلم يبق إلا أحد مصدرين لتمويل المشروع أحدهما الضريبة كما ذكر ماليري أو التبرعات كما ذكر الرشيد. والذي يبدوا لنا أن مشروعاً سريعاً وملحاً بهذا الحجم والأهمية الوطنية لم يكن لينتظر الدورة المحاسبية للضريبة ولكن كما ذكر الرشيد تكفل المواطنون بتمويل مصاريفه. ومن جهة أخرى لم يعرف عن الشيخ سالم ميلٌ إلى استخدام الضريبة وهو الذي خفضها إلى 4%. ومن هنا يمكن تصور أن مساهمات الأهالي مضافاً إليها الضرائب المعتادة دخلت في الخزينة بعناية الحميضي ثم قام الشيخ سالم بالصرف منها على حسب المهمات التي أوكلت لكل مسئول. فقد كان مشروع السور ملحمة وطنية لا يتصور أن يتأخر مواطن عن بذل ما في وسعه لإنجازه.
7- التكلفة الفعلية للمشروع: تدل الوثيقة وأخواتها أن كافة المصاربف الواردة في خزانة الحميضي توجهت لأجرة العمال. ومن هنا يثار تساؤل حول التكاليف الأخرى التي أشار إليها ماليري وغيرها مما لا يتم مشروع من هذا النوع بدونه. فهناك تكلفة المواد من الطين والجص والملاط والمياه ، وهناك تكاليف النقل والمواصلات والتزويد من جلب للمواد والأغذية والمياه. وهناك مصاريف الطعام وإقامة العمال من خيام ومظلات وما إليها. وهناك مصاريف الأراضي التي يقام عليها السور وتعويض أصحابها.وهناك مصاريف إدارية وإشرافيه للمسئولين عن المهمات المختلفة. نخلص من ذلك أنه إذا كانت تكلفة العمال قد بلغت 208 ألف ربية كما ذكر الغنيم فلا بد أن البنود الأخرى تكلفت مبلغاً قريباً من ذلك يزيد أو ينقص. فليس من المستبعد أن التكلفة الفعلية تقارب نصف مليون ربية. ومن هنا تأتي أهمية المشاركة الشعبية في توفير التكاليف.
8- الهيئة الإشرافية: يلاحظ من ظاهر نص الوثيقة وأخواتها أن الهيئة الإشرافية لم تأخذ رواتب أو مخصصات على دورها في المشروع. وفوق ذلك يمكن بتتبع بعض الروايات الشفهية وطبائع الناس أن نفهم لماذا تم اختيار المشرفين الإداريين من هذه الشخصيات. فعلى سبيل المثال ورد ما يفيد أن أسرة معرفي الكريمة تبرعت بتكاليف بناء جزء من السور وقامت بتكليف أحد وجهائها وهو منصور معرفي بالصرف على العمال وما يحتاجون إليه(17). كما ورد أن أسرة الهاجري تبرعت بالأرض التى بني عليها جانب من السور مانت تحت أيديها، وتبرعت بجلب المياه من القلبان التي تملكها في منطقة الشامية خارج السور(18). أما آل خالد وآل عتيقي فهي أسر تجارية معروفة بمبادرتها لأعمال الخيرات. لما كان الأمر كذلك يمكننا التأكد من أن الهيئة الإشرافية قامت بمسئولياتها تطوعاً لوجه الله تعالى وما يقتضيه واجب الجهاد في الدفاع عن الوطن. ويمكن أيضاً تفهم الكيفية التي تم بها اختيار شخصيات المشرفين،
وأن تشكيل الهيئة الإدارية المشرفة على المشروع الوارد ذكرها أعلاه لوحظ فيه وجود مساهمات كبيرة قامت بها الأسر التجارية في ذلك الوقت والتي لها تاريخ عريق في البذل والعطاء، هذا بالإضافة إلى النزاهة والأمانة والمهارات الفردية لدى الشخصيات التي تم تكليفها من قدرة على الكتابة والتوثيق والحساب وإدارة الأعمال والأفراد كما هو معروف من سِير حياتهم. ومن المؤسف أنه لم تصلنا أسماء المسئولين الآخرين عن المهمات المتعددة التي استلزمها مشروع بهذا الحجم.
9-الوثيقة تشرح علاقة المودة بين الشيخ مبارك وأمينه على مالية الحكومة السيد أحمد بن محمد الحميضي رحمه الله، حيث خاطبه بأجمل تعبير وببالغ التقدير: " جناب الأكرم الأفخم الولد أحمد ابن المرحوم محمد صالح الحميظي المحترم دام بقاه"، وهكذا كان الشيخ يكرم رجاله وخاصته.
وكتبه/ أ.د عماد بن محمد العتيقي
ذو الحجة 1433-أكتوبر 2012م
الهوامش :