وثيقة رقم (43) وكالة عبدالله بن حمد العتيقي على بيت جدته هيا عبدالعزيز العتيقي- من ملامح مدينة الكويت في أول نشأتها

وثيقة رقم (43) وكالة عبدالله بن حمد العتيقي على بيت جدته هيا عبدالعزيز العتيقي- من ملامح مدينة الكويت في أول نشأتها

مقدمة:

تنطوي الوثيقة العدسانية التي بين يدينا على أهمية خاصة. فهي من الوثائق التي تؤصل امتداد العمق الحضاري والجغرافي لأسرة العتيقي في الكويت في مربع"بهيتة"، النواة الأولى التي نشأت عليها بلدة الكويت القديمة. فقد أوقفت المحسنة "هيا بنت الشيخ عبدالعزيز بن حمد العتيقي" أحد بيوتها على وجوه الخير، وهذه الوثيقة تؤرخ التصرفات التي جرت على الوقف بعد ذلك. وهي تؤرخ للمكانة الخاصة لشخصية بارزة في هذه الأسرة وهو "الملا" عبدالله بن حمد العتيقي سواء بين أفراد أسرته أو بين وجهاء المجتمع الكويتي. ثم إن الوثيقة تحتوي على ذكر لشخصيات وبيوت عائلات لها دور بارز في تاريخ الكويت. وهي بحيثياتها تعطينا فرصة للتطرق إلى بعض ملامح الكويت القديمة في نشأتها الأولى.

نص الوثيقة: " الحمد لله سبحانه. ثبت ما ذكر من الوكالة لدي وأنا العبد الفاني محمد بن عبدالله العدساني.

السبب الداعي إلى تحرير هذه الأحرف الشرعية هو أنه قد حضر لدي كل من عبداللطيف ابن محمد العنزي وحمد ابن علي ابن درع وفارس ابن فريح الوقيان وعبدالوهاب ابن ثنيان ابن عبدالرحمن وشهد كل منهم لله تعالى بأن حصة ولولوة بنات أحمد العتيقي العارفين لهما المعرفة التامة قد وكلوا عبدالله ابن حمد العتيقي وأقاموه مقامهم وأنابوه منابهم على بيت أمهم هيا بنت عبدالعزيز العتيقي المحدود قبلتا بيت عبدالعزيز البناي وبيت شما الدريعية وبيت عمران وشمالا وشرقا بيت محمد سعيد الهارون وجنوبا الطريق العام الموقوف على عشيات وضحايا وأعمال بر على أيديهم الثابتة وقفيته بورقته السابقة وكالة مطلقة صحيحة شرعية وإن أراد نقله في مكان آخر أوفق منه ينقله فهو وكيل متصرف مطلق التصرف وهو أيضا قبل الوكالة والتزم بأداء لوازمها كما ينبغي ويجب فكان نصبا وقبولا صحيحا شرعيا حتى لا يخفى. جرا وحرر في 25 شوال سنة 1316."

الوصف: وكالة شرعية على عقار موقوف (وقف هيا بنت عبدالعزيز العتيقي)

الموكل: حصة ولولوة بنات الشيخ أحمد بن محمد بن سالم العتيقي

الوكيل: الملا عبدالله بن حمد بن عبدالمحسن بن منصور العتيقي

العقار: بيت هيا بنت الشيخ عبدالعزيز بن حمد بن سيف العتيقي الكائن في الكويت

تاريخ الوكالة: 25 شوال 1316 الموافق 8 مارس 1899م

القاضي الموثق للوقف: الشيخ محمد بن عبدالله (بن محمد بن محمد بن عبدالرحمن) العدساني

الفوائد:

1- أصحاب العقار: هذا البيت كان لهيا بنت عبدالعزيز العتيقي ، زوجها أحمد بن محمد بن سالم العتيقي.  كان أحمد عالماً نجدياً مقيماً بالكويت ويتردد على منطقة سدير في نجد. وكان يمارس التجارة في الكويت. أوقفتهيا البيت على يد بناتها حصة ولولوة. تزوجت حصة من حمد بن عبدالمحسن العتيقي وأنجبت ولدها عبدالله وإخوته عبدالعزيز ومحمد.  وتزوجت أختها لولوة من سليمان عبدالمحسن العتيقي وأنجبت ابنتها فاطمة. ثم بعد ذلك تزوج عبدالله من فاطمة بنت عمه وبنت خالته. و البيت موقوف على أعمال بر فربما كان ذلك الوقت مؤجراً طلباً للريع ولم يصرح النص بالساكن. ولكن عرفنا من مصادر العائلة أن الساكن هو خالد بن عبدالله بن عتيق العتيقي، وهو ابن رقية أخت الواقفة هيا. 

2- الوكيل: عبدالله بن حمد العتيقي كان في ذلك الوقت شخصية بارزة في المجتمع الكويتي. فهو سليل ثلاثة من فروع أسرة العتيقي مارست العلم والتجارة: آل عبدالعزيز بن حمد وآل سالم وآل منصور. تلمذ والده حمد بن عبدالمحسن بن منصور على الشيخين عبدالعزيز بن حمد وأحمد بن محمد بن سالم، وأخذ عنهما فنون التجارة (1) ثم أصهر إليهما ابنتهما "حصة". وقد وجد الشيخ مبارك الصباح في الشاب المستقيم "عبدالله" الذكاء والحرفة في الكتابة مما جعله أميناً على ديوانه ومراسلاته وسكرتيره الخاص لمدة العشر سنوات الأولى من حكمه. وهو بالإضافة إلى ذلك كان يشرف على تجارة أسرته التي تركزت في قيصرية العتيقي الكائنة في محلة العتيقي بحي الوسط.

3- محيط العقار: يتضح من وصف العقار والجيران  أن هذا البيت يقع في جنوب محلة سعود من الناحية الجنوبية لمسجد مديرس. وقد يطلق على الموقع محلة مسجد مديرس. وذلك لأن بيت عبدالعزيز البناي مجاور للبيت، وهو مشهور في ذلك المحل. 

4-  حدود العقار وجيرانه: يتضح من الوصف أن البيت كان كبيرا نسبياً بما يتوافق مع الوضع التجاري لأصحابه. فيحده من القبلة ثلاثة بيوت هي بيت عبداللطيف البناي وبيت شما الدريعية وبيت عمران. ويحده من الشمال والشرق بيت (محمد سعيد) الهارون. وهنا يلاحظ أن البيوت في المنطقة غير متناسقة في البناء لكونها قديمة ويمكن أن يأتي أحدهم ويدمج بيتين في بيت واحد طلباً للتوسع كما في حالة بيت محمد سعيد الهارون. وهذا الرجل يبدوا أنه كان من المقربين لدى الحاكم الشيخ مبارك بحيث أنه أرسل ولده عبداللطيف في سفارة إلى الوكيل الإخباري للانجليز في البحرين تتعلق بملاحظات على اتفاقية الحماية (2). والجيران الآخرون منهم عائلة عربية معروفة"البناي" نسبة إلى البناء حيث كانو يتعهدون مقاولات بناء البيوت فاشتهروا بها. وتملك المرأة الدريعية يدل على استيطان قديم لهذه الأسرة في منطقة الوسط (3). أما عمران فقد أبهمه القاضي بدون تكملة ربما لشهرته وتفرده بالاسم بين السكان. 

5- علاقات قديمة: ومثل قدم العلاقات مع النوخذا العمران نلاحظ علاقة قديمة مع أسرة العنزي. فقد أرسل الشيخ صالح بن سيف العتيقي بضاعة من الزبير إلى الكويت مع شخص يسمى"محمد العنزي" ربما حوالي 1120 أي قبل تاريخ هذه الوكالة بمائة عام (4). وهنا يتضح مناسبة شهادة عبداللطيف بن محمد العنزي على الوكالة من خلال معرفته القديمة بأعيان أسرة العتيقي. وهذه الأسرة "العنزي" يبدوا أنها من المستوطنين الأوائل في الكويت أو "القرين" حيث كان أحد أجدادهم" محمد بن موسى العنزي" تاجراً ميسوراً زمن صباح الأول وعبدالله بن صباح وله دكاكين في "المناخ" وقيصرية "سوق" التجار وقد أملى وصيةً تدل على صلاحٍ وفهمٍ شرعيٍ في رمضان عام 1200 – سبتمبر 1786م بما يوضح عمق الوضع التجاري والثقافي لأسرته في الكويت، في زمن كان لقبيلة "عنزة" حضور بارز في طريق القوافل بين الكويت ونجد وبين الكويت والعراق والشام.

6- وكذلك كان الوضع بالنسبة للشهود الآخرين فقد كان آل وقيان وآل درع من معارف آل عتيقي ولهم نشاط تجاري بارز. فكان فارس الوقيان على سبيل المثال تاجراً مرموقاً وتقع محلاته بجوار محلات آل عتيقي في حي الوسط. وفوق ذلك فهو شخصية اجتماعية محبوبة وقد أرسله مبارك الصباح إلى البحرين ضمن وفد للتفاوض مع شملان بن سيف وهلال المطيري في سبيل إرجاعهم إلى الكويت بعد حادثة هجرة تجار اللؤلؤ(5). وكان الشاهد الثاني "حمد بن علي ابن دِرْع" أو "ابن حِمْد" كما يسمى أيضاً من الشخصيات المعروفة بالصلاح والتدين ومن سكان محلة العتيقي التي أوقف فيها أحد بيوته (6). وابنه عبدالمحسن ابن دِرْع صاحب مكتبة قديمة مشهورة (7). والشاهد الرابع عبدالوهاب بن ثنيان بن عبدالرحمن (ابن ثنيان) كذلك من أسرة معروفة ولها حضور بارز في المجتمع الكويتي (8).

حضر هؤلاء الشهود  عند القاضي العدساني للشهادة على وكالة عبدالله بن حمد وإثباتهم "المعرفة التامة" للموكلتين حصة ولولوة. ويبدوا أنه كانت لهذا العقار قيمة تاريخية ومعنوية كبيرة والتي حدت بالملا عبدالله طلب هؤلاء الشهود المرموقين لإثبات الوكالة، واستدعائهم لحضور الإقرار بالوكالة لدى والدته وخالته.  

 

وكتب: د. عماد محمد العتيقي

شوال 1435- أغسطس 2014م.

تم تحديثه في شوال 1441 الموافق يونيو 2020

تنويه: أتقدم بالشكر والتقدير من الأخ صلاح علي الفاضل  للمساعدة في تحديد موقع العقار.

الهوامش:

(1) حول تجارة حمد بن عبدالمحسن بن منصور العتيقي يراجع محمد الشيباني " طبعات السفن الكويتية والقرصنة عليها" الكويت، 2013.

(2) باسم اللوغاني"وثيقة لها تاريخ: اتفاقية الحماية عام 1899-4"، جريدة الجريدة 19 إبريل 2013م. موجهة من الشيخ مبارك الصباح على يد عبداللطيف بن محمد سعيد الهارون إلى محمد رحيم صفر بالبحرين مؤرخة في 21 ذي القعدة 1316. والرسالة بخط الملا عبدالله العتيقي وكتبت بعد وثيقتنا هذه ببضعة أشهر.

(3) يرد أسم أسرة الدريعي في أسر القصيم في بريدة والأسياح عند عبدالله زايد الطويان"أيسر الدلائل لبعض أنساب أسر القصيم وحائل" وينسبهم في قبيلة عنزة.

(4) وصية محمد بن موسى العنزي من أقدم الوصايا الكويتية التي وصلت إلينا. وهي بمضمونها توضح وجود أسرة العنزي من قبيلة عنزة في الكويت في ذات فترة المستوطنين الأوائل من العتوب، حيث يذكر الموصي أحداثاً ترجع إلى 1171-1758م وهي في فترة صباح الأول. ومنذ ذلك الوقت كانت أسرة العنزي حمولة مترابطة مما يدل على قدم استيطانها. ونعتقد أن ذلك تزامن مع توسع نفوذ قبيلة عنزة في وسط نجد منذ القرن الثاني عشر ثم امتداد نفوذها إلى طريق القوافل في العراق. على سبيل المثال استعان الكولونيل البريطاني جيمس كابر بستة مرافقين(رفاقا) من فروع مختلفة من قبيلة عنزة ضمن حراس ومرافقي قافلة تجارية كبيرة من حلب إلى البصرة والكويت وكان ذلك بالتعاقد مع وكيل النجادة في حلب وهو الشيخ سليمان بن يحيي (الزهير). كان ذلك في شوال 1192- أكتوبر 1778م. والرفيق هو الذي يرافق القافلة أثناء مرورها في مضارب قبيلته في الصحراء لضمان سلامة المرور. ينظر"Observations on the Passage to India" by James Capper, London, 1785.

(5) سيف مرزوق الشملان"من تاريخ الكويت" 1959- ط2 1985م، ص 154.

(6) سجل العطاء الوقفي- الأمانة العامة للأوقاف 1995م. ص 150. وقد حدثنا الأخ الدكتور خليفة الوقيان أن آل حِمْد المذكورون هم نفسهم عائلة الدِرْع. والدروع كما يسمون بالجمع عشيرة قديمة ذات تاريخ واشتق من اسمها مدينة الدرعية القاعدة الأولى للدولة السعودية.

(7) د. خليفة عبدالله الوقيان" الثقافة في الكويت- بواكير اتجاهات ريادات" الطبعة الخامسة، ص 149-150.

(8) تحتفظ مكتبة المخطوطات في الكويت بوثيقة تملك والد عبدالوهاب هو ثنيان بن عبدالرحمن ابن ثنيان بيتاً كبيراً في محلة محمد السلمان الصباح بالكويت وذلك البيت اشتراه من أحمد بن عمر وكيل مالكه سابقاً محمد بن علي بن حمد ابن سويد عام 1274هجري. توفي الوالد ثنيان 1324 وتوفي ولده عبدالوهاب 1334، وقد وثق أخبارهم الأديب خالد محمد الفرج في مقدمة ديوان شعره لأن عبدالوهاب الثنيان يكون خاله.