عدد الزوار:317
وثيقة رقم (63): شراء أرض قيصرية العتيقي في الكويت وتقسيم دكاكينها
وثيقة مشترى وبناء وتقسيم قيصرية العتيقي سنة 1317-1899م
مقدمة: تحتوي الوثيقة التي بين أيدينا على نص نادرٍ لتوضيح كيفية تشكل المجمعات التجارية فيما يُسمى "القيصرية" في مدينة الكويت القديمة، حيث يقع العقار موضوع النص خارج السور القديم مباشرة في منطقة الوسط. وتتضح أهمية هذه الوثيقة في دلالتها على التوسع التجاري في بلد الكويت وبالذات المنطقة الوسطى المحاطة بالأسواق في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي (أوائل الرابع عشر الهجري). كما يوضح النص العلاقات التجارية والاجتماعية بين أصحاب العلاقة. وسوف نقوم بتوضيح ظرفية كتابة الوثيقة مبتدئين بالسياق العام ثم السياق الخاص لها حتى يمكن استيعاب الفوائد على الوجه الصحيح.
نصُّ الوثيقة:
"...... جرا كما ذُكر لديَّ وأنا العبد الفاني: محمد بن عبدالله العدساني.
السبب الداعي إلى تحرير هذه الأحرف الشرعية ؛ هو أنه قد حضر لدي كل من عبدالله بن حمد بن عبدالمحسن العتيقي وفارس بن فريح الوقيان وعبدالعزيز بن عتيق العتيقي وأقر واعترف كلٌ منهم طايعاً (طائعاً) مختاراً من غير جبرٍ ولا إكراه بأن الأرض التي اشتروها من الشيخ مبارك بن صباح الكاينة (الكانة) في دروازة العودة، وبنوها وصارت اثنين وأربعين دكان معما (مع ما) يتبعها من الدِكاك بينهم أثلاث لكل واحدٍ منهم أربعة عشر دكان معما (مع ما) يتبعها من الدكاك، لعبدالله ثلث ولفارس ثلث ولعبدالعزيز ثلث معما (مع ما) يتبعها من الدكاك مشاعاً إقراراً صحيحاً شرعياً. فبموجب إقرارهم صارت الأرض المذكورة وبنيانها الدكاكي مع ما يتبعها من الدكاك ملكاً لهم أثلاثاً على ما ذكر يتصرف كل واحدٍ منهم في ثلثه بما يشاء حتى لا يخفى، جرا وحرر في 10 محرم سنة 1317 أحد هور سنة سبعة عشر وثلاثمئة وألف من هجرته صلى الله عليه وسلم".
الوصف: وثيقة عدسانية لمشترى عقار وبنيانه وقسمته؛ وهو "قيصرية العتيقي" في حي الوسط بمدينة الكويت.
المصدر: الأخ الفاضل السيد فيصل سليمان (ابن الملا) عبدالله العتيقي.
الموثق: قاضي البلد الشيخ محمد بن عبدالله العدساني
التاريخ: 10 محرم سنة 1317 هجرية الموافق 29 أكتوبر 1899ميلادية.
البائع: الشيخ مبارك بن صباح الجابر الصباح.
المُشتري: عبدالله بن حمد بن عبدالمحسن العتيقي، فارس بن فريح الوقيان، وعبدالعزيز بن عتيق العتيقي.
الثمن: غير محدد.
موضوع النص: قسمة أرض ودكاكين بحي الوسط في الكويت.
الشركاء: عبدالله بن حمد بن عبدالمحسن العتيقي، فارس بن فريح الوقيان، وعبدالعزيز بن عتيق العتيقي.
الأختام: ختم القاضي الموثق محمد بن عبدالله العدساني.
السياق العام: وُثق هذا النص في زمن حكم الشيخ مبارك الصباح في فترته الأولى. وقد جاء على إثر توسعٍ تجاري حصل في زمن أخوه عبدالله بن صباح (13 رجب 1283 إلى ذي القعدة 1309-21 نوفمبر 1866م إلى أغسطس 1891م) ثم زمن أخويه محمد وجراح (ذو القعدة 1309 إلى 25 ذي القعدة 1313- أغسطس 1891 إلى 7 مايو 1896م) (1). تميزت هذه الفترة بانتعاش التبادل التجاري بين الكويت والمناطق الداخلية في نجد كما سجل الرحالة دوتي في مشاهداته، أن أهل القصيم كانوا يحملون التجارة من التي تحملها جمالهم من الكويت إلى نجد، وأن ابن الرشيد أمير حائل كان يشحن الخيول النجدية إلى الهند على مدار العام عن طريق الكويت. وقُدر عدد السفن الكويتية ذلك الزمن ما بين 300-400 سفينة (2). وقد أدت سياساتٌ ضريبية وتجارية متساهلة إلى انتعاش التجارة بين الكويت وجاراتها، وذلك بسبب نشاط الكويتيين في تجارة البحر والغوص، وتفوقهم المعرفي في صناعة المراكب وصيانتها. وانتعشت تجارة المسابلة في البر، أي المقايضة بين حاجيات أهل نجد من بضائع، وما يعاوضونه بها من الغنم والإبل ومنتجات الحيوانات وصوفها.
برزت في ذلك الزمن أسواق جديدة جنوب محلة العتيقي وسكة عنزة للتجاوب مع التوسع التجاري، فأنشأ محمد وجراح الصباح سوق اللحم وسوق السمك الجديدين، وذلك في سنة 1312 (1894م)، بعد نقل محلاتهما من السوق الداخلي (3). وكان التوسع خارج نطاق السور القديم قد بدأ بالفعل في تلك الفترة بتوافد الناس للسكن في مناطق تحولت إلى محلاتٍ جديدة مثل المطران والخوالد والرشايدة، رغبة منهم في الاستقرار، وخاصة بعد الوباء والقحط الذي أصاب منطقة نجد فيمل بين 1287-1289 (1869-1871م) (4).
السياق الخاص: كان لعائلة العتيقي دورٌ بارز في التوسع التجاري في منطقة الوسط، فقد انتشرت محلاتهم ودكاكينهم في زمن مبكر في قيصرية التُجار، والمناخ، وحول مسجد السوق، وفي السوق الطويل (5)، (6). وكان من المنطقي عندما برزت طبقة جديدة من التجار أن يتجهوا إلى التوسع جنوب المباركية لمواكبة التوسع العمراني في تلك المنطقة. أما فارس الوقيان فهو علمٌ مشهورٌ من أعلام الكويت قديماً، من عائلةٍ عريقةٍ بها. وكان له حضورٌ تجاريٌ بارزٌ في حي المباركية ومحلات في منطقة الأسواق، ويُعد من تجار الخيل بدليل جاخوري الوقيان المنسوبين إليه وإلى والده في سكة عنزة (7). ويلاحظ أن الشركاء جميعاً أقارب أوجيران ويعرف بعضهم بعضاً من خلال سكناهم سكة عنزة ومحلة العتيقي. نجد على وجه الخصوص أن جاخور الوقيان في سكة عنزة وبيته ودكاكينه مجاورة إلى بيت عبدالعزيز بن عتيق العتيقي، حتى إن الجميع اندمج لاحقاً في بيتٍ واحد ملك عبدالرحمن الفارس الوقيان (8).
الفوائد:
1- تحديد الموقع - دروازة العودة: من حسن الحظ أن الموثق العدساني حدد موقع أرض العقار بعبارة "الكائنة في دروازة العودة"، وهو موقع غير معروف سابقاً في دروازات أو بوابات سور الكويت الثاني. ولكن الموقع معروف بشكلٍ عام جنوب سوق الصرافين (انظر المخطط 1 أدناه)، حيث علمنا على موقع الدروازة بالإطار الأحمر، وهو في الطرف الجنوبي الغربي للسوق الداخلي (الشريط الأبيض)، والطرف الشرقي الجنوبي لسوق الصرافين. ويظهر مسجد عبدالعزيز العتيقي إلى الشرق من الموقع.
مخطط 1: موقع قيصرية العتيقي ودروازة العودة وسوق الصرافين
ودروازة العودة معروفة في المراجع بأنها دروزاة الشيخ أو الصنقر (9). والصنقر معروفٌ في المراجع بأنه يقابل نهاية السوق الداخلي حتى أن القسم الأخير منه يعرف بسوق الصنقر، وهو مركز لبيع الحبوب والأرز والتمر وسائر البضائع التي يقبل عليها أهل البادية، ويحملونها على الجمال إلى بلادهم (10)، ويمكن من خلال هذا الوصف تخيل سبب تسميتها "العودة" بمعنى الكبيرة لكونها ممراً للقوافل ومركزاً لتحميل البضائع.
والمنطقة التي تحيط بالقيصرية هي سكة عنزة شمالاً، ومحلة "ولد وهيب" جنوباً وشرقاً، وتسمى أحياناً "محلة سيف العتيقي" أو "محلة عبداللطيف العتيقي" التي تُنسب أيضاً إلى "محلة الخوالد"، وأحياناً إلى "محلة مسجد النبهان"، حيث يظهر أن مسجد النبهان كان أقرب المساجد إليها (11)، انظر المخطط 2.
مخطط 2: المنطقة المحيطة بقيصرية العتيقي من الجنوب
2- تركيبة العقار: يتكون العقار من اثنين وأربعين دكاناً مقسمةً أثلاثاً على أربعة عشر دكاناً لكل واحدٍ من الشركاء، ولكل دكانٍ دكة خاصة به، وهي لسانٌ أمام الدكان مبني من الطين أو الحجر لرفع مستوى الدكان عن الطريق حمايةً من مجرى الماء، وتُعد لجلوس بعض الزبائن. ويظهر من تكرر ذكر الدكاك في النص والتركيز عليها حرص الشركاء على إثبات ملكيتها بعد أن تكلفوا المال لإنشائها، ويمكن بالتدقيق في المخططات أعلاه رؤية الدكاك محيطة بالقيصرية، وقد أشير إلى "الدكة" في الحد الشمالي لأحد الدكاكين التي باعها سالم بن عبدالله العتيقي لاحقاً (12). ويستفاد من الوثائق ومن المخططات أن القيصرية تحتوي على قسمين، يتألف كل قسم من صفين من الدكاكين التي تمتد من الشرق إلى الغرب، وهو تصميمٌ يعبر عن إبداعٍ معماري باستثمار مساحة الأرض مع ترك مساحاتٍ للخدمات من الخارج ومن الداخل. ومن المرجح أن الدكاكين أو بعضها تم تقسيمها بعد ذلك وأن عدد الدكاكين بشكلها النهائي أكثر من العدد الأصلي (13).
3- تسميتها: تسمى القيصريات عادة باسم أصحابها أو بعض أصحابها. فنظراً لأن ثلثي الشركاء من العتيقي ولهم ثلثا الدكاكين، سُميت بقيصرية العتيقي. يُذكر أن عبدالعزيز بن عتيق ترك الكويت بعد عشر سنوات تقريباً من تاريخ الإنشاء وباع نصيبه على الملا عبدالله العتيقي (14). وقد أُطلق عليها في الوثائق: محلة قيصرية العتيقي (15). وقد جَذبت هذه القيصرية بموقعها المتميز نشاطاً تجارياً بارزاً، فأنشئ بعدها سوق الصرافين في زمن الشيخ سالم الصباح والذي يقع إلى الشمال منها عبر الطريق (16)، وسوق أهل القصيم (17) والذي يقع إلى الجنوب منها عبر الطريق.
4- المستثمرون: يتضح من الوثائق اللاحقة أن عدداً من الدكاكين تم بيعها على مستثمرين آخرين. فقد باع سالم بن عبدالله العتيقي بوكالته عن ورثة والده دكانين على السيد رجب بن السيد عبدالله الرفاعي، يحد الدكان الأول (رقم 999) دكان ملك ورثة فارس الوقيان، ودكان محمد عقيل بن محمد زمان، والطريق العام. ويحد الثاني (رقم 1024) ملك الشيخ أحمد الجابر الصباح، والطريق العام، وذلك بقسمة إجمالية بلغت ألف وخمسمائة ربية (18). كما باع سالم بن عبدالله العتيقي ثلاثة دكاكين وثلث وأرقامها 997، 1011، و1032، على محمد عقيل بن محمد زمان بقيمة ألفين وخمسمائة ربية (19).
5- تعريف بالشركاء: كان لا بد من وجود علاقة متينة بين الشركاء، الأمر الذي مهد للتشاور حول الاستثمار في أرضٍ جديدة من خارج السور. نجد على سبيل المثال أن فارس الوقيان هو أحد الشهود على توكيل خالتي عبدالله العتيقي له على بيت جدته الوقف، وذلك في شوال سنة 1316/مارس 1899م (20)، وعبدالعزيز بن عتيق العتيقي اشترك مع عبدلله بن حمد العتيقي وغيره من رجال الأسرة في الشهادة على بيع خالتيه المذكورتين وشركائهما عقاراً لهما في البصرة وذلك في صفر 1322/إبريل 1904م (21). وعبدالله بن حمد العتيقي هو الذي كتب بخطه عقد بيع عبدالعزيز بن عتيق للحوطة التي تعود إلى أخته لولوة العتيقي على أحمد بن عبدالعزيز العدواني، في جمادى الأولى 1321/مارس 1904م (22). فمن الواضح وجود علاقاتٍ قوية وثقةٍ متبادلة تصل إلى استشهادهم من قبل النساء. وقد تقدم أن فارس الوقيان وعبدالعزيز بن عتيق كانا متجاورين في السُكنى، فلا بد أنهما يلتقيان باستمرار في المسجد المجاور لهما، مسجد ابن بحر.
إشارة من محكمة الكويت إلى وقف قلبان فريح الوقيان سنة 1292(1875م)
وكان من مكانة فارس الوقيان عند الشيخ مبارك أن أرسله في وفدٍ إلى البحرين لإقناع الطواويش الكويتيين بالعودة إلى الكويت سنة 1328/1910م، وكان مسؤولاً عن جباية الزكاة من أهل البادية. وأيضاً أرسله الشيخ سالم الصباح في سفارةٍ إلى عبدالعزيز ابن سعود سلطان نجد سنة 1338/1920م، وكان له موقف مع ابن سعود يدل على حكمته وحسن تصرفه، في زمن كان محفوفاً بالقلاقل والمشاكل، مما يستدعي سفراء من ذلك النوع ذوي الحكمة واللياقة. تزوج فارس الوقيان أربع مرات ورزقه الله من الولد عبدالرحمن، خالد، عبدالله، عبدالعزيز، محمد، يوسف، إبراهيم، فهد، شاهة، فاطمة، منيرة، وضحا، شيخه، وطيبة (25). وقد اشتهر بحبه لعمل الخير وكان له دكانٌ قريبٌ من مسجد السوق في سوق التجار، وديوانٍ يفتح في شهر رمضان بصفةٍ يوميةٍ للإفطار، ويجتمع فيه رجالٌ يدرسون القرآن الكريم طيلة الشهر الفضيل، وتصل زكواته وصدقاته إلى المحتاجين من الحضر والبدو. من آثاره المعروفة الحفرة المشهورة باسمه لتجميع السيول (26)، وله وصية بالثلث الخيري على يد ولده عبدالرحمن. هذا بالإضافة إلى مساهمته في القيصرية موضوع الدراسة، وكان له أملاكٌ عقارية في محلة المبيلش ودكاكين في مناطق متفرقة بالكويت. تُوفي حوالى سنة 1349 (1930م).
وكتب: د. عماد محمد العتيقي
في جمادى الثانية 1444 الموافق يناير 2023م
تنويه: أتقدم بالشكر للأخ المهندس صلاح علي الفاضل على المساعدة في تحديد المواقع.
الهوامش: